أبو العبد

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أبو العبد مواطن من الأردن كان محور هدفه هو الركن الخامس الذي لم يستطع إليه سبيلا، فقد قضى المسكين أبو العبد نحبه من دون أن يحققه، على الرغم من حلمٍ لم يزايله ببلوغ مكة، وأداء المناسك كلها، بما فيها رجم الشيطان. أحيانًا، كنا نظن أنه يطلب ثأرًا ما، سيما عندما نراه يحرص على تكديس عتاده من جمراتٍ يختارها بحرص بالغ، ويغيب خارج المدينة، فنسمع أنه يحاول محاكاة مسرح المعركة؛ لضمان الانتصار، فيقيم نصبًا مماثلًا لخصمه اللدود، ونتساءل إن كان في وسعه أن يحدّد ملامح ذلك الخصم الغامض. عمومًا، يقال إن أولى محاولات أبي العبد لإتمام أركان دينه حدثت في سبتمبر 1932، لدى تأسيس الدولة القيّمة على شعائر الحج. كان شابًّا آنذاك، ولم يكن يمنعه من الحج غير التهديد الذي كان يحيق بقوافل الحج من غزاة الصحاري، غير أنه عدل عما انتواه عندما تسرّب إليه أن حكام العهد الجديد يتدثرون بعباءة الدين، ويُبطنون خلاف ما يظهرون، بل إن زعيمهم وقّع معاهدة سرية مع أمريكا يقرّ فيها بحق اليهود في الهجرة إلى فلسطين وإقامة دولتهم على ترابها.

آنذاك، طرأ أول تعديل على خطط أبي العبد، وراح يتعمّق في ذلك الملحق الخاص بالركن الخامس الذي ورد على لسان رسولنا الكريم: «من استطاع إليه سبيلا». في البداية، كان يقرن الاستطاعة بالمال، ثمّ بالأمن، وأخيرًا توصل إلى قناعة مفادها بأن الرسول لم يؤطّر مفهوم الاستطاعة وتركه فضفاضًا؛ ربما لأنه كان يعلم أن عراقيل أخرى ستطرأ لاحقًا، لن يفهمها أصحابه في زمنه، لكن أجيالًا لاحقة، من طراز أبي العبد وغيره ستفهمها، فالعراقيل قد تكون سياسية أيضًا، عندما لا يسمح بالحجّ لمناوئ أو معارض أو ناشط سياسي، أو حتى مختلف بالرأي مع النظام القيّم على شعائر الحج.

آنذاك تعاظم في أعماق أبي العبد مفهوم الرجم، من دون أن يستطيع تحديد مظاهره بعد، غير أنه تنبّه، في خضمّ أفكاره، إلى ما كان يسمعه عن ضرورة تدويل المعابد العظمى ومواضعها مما تهوي إليه أفئدةٌ شتّى من سائر أرجاء المعمورة. حدث ذلك عقب احتلال المسجد الأقصى، وتلاه غداة إنشاء السلطة الفلسطينية التي طالبت، هي ودول عربية أخرى، بتدويل القدس كلها إن فشلت السلطة في إعلان هذه المدينة عاصمة لها. غير أن أبا العبد لم تستوقفه تلك الدعوات الخاصة بالقدس؛ لأنه كان على يقين أنها مدينة محتلّة أساسًا، ومن العار تقليص مطامح محو الاحتلال إلى مطلبٍ بائسٍ كهذا، على الرغم من أن الاحتلال لن «يجود» به على دعاة السلام بين الأقزام والوحش، لكنه بدأ يتوقف فعلًا من وحي تجربته الخاصة هذه المرّة؛ لأنه رأى حلمه بأداء مناسك الحج يتبخّر أمام عينيه، لا لشيءٍ سوى لخلافه السياسيّ الممتد مع سلالة حكام طويلة من ابن سعود إلى ابن سلمان.. بل يقال أيضًا إن الخلاف أطول من ذلك؛ إذ يصل إلى الأمويّ ابن سفيان الذي ابتدع نظام حكم وراثي لا يمتّ إلى تعاليم الإسلام التي أوصت بالشورى وديمقراطية الاختيار.

باختصار، لم تكن تستهوي أبا العبد سوى فكرة الحرية التي شاء سوء طالعه أن تتناقض مع أفكار حرس الحدود الذين عرقلوا إتمام ركنه الخامس، فلم يستطع إليه سبيلا، فوجدناه، في مرحلة ما، يشاطر الداعين إلى تدويل أماكن العبادة دعوتهم، وفي كل مرحلة يزداد الحلم برجم إبليس، في ذهن أبي العبد، وفق الرواية المتداولة عنه. أما في 2020 حين أبدى حرس الحدود عذرًا صحيًّا مقنعًا لتجميد موسم الحج، خشية فيروس كورونا، فقد ألمّت بأبي العبد قهقهة هستيرية تغاير وقاره المفرط الذي ألفناه، ورأيناه يركض، فتبعناه باتجاه النصب الذي أقامه خارج البلدة ليرجمه، ثم هوى ميتًا عقب تحقيق أمنيته.. غير أن ما باغتنا فعلًا، ونحن ننظر إلى النصب، هو وجه إبليس الذي كان واضحًا ومتعدّدًا يحمل ملامح سلالات حكام طويلة... فاستأنفنا ما بدأه أبو العبد بما تبقى من جمرات.