إيثار

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الإيثار مشهد يومي يتكرر كثيرا عند ابواب الدخول الى القاعات والدوائر الحكومية في الدول العربية ، عند صعود السلالم وولوج الممرات ، عندما يقف امامك اثنان يتنازعان إيثارا ليئذن احدهما قبل الاخر في الدخول وهما يتبادلان الدعوة في ولوج المكان ، فتقف انت وراءهم متأملا حائرا منتظرا انتهاء المشهد الحزين ، حتى يقضي بدخول ذات اليمين بعد ان يردد ذات الشمال عبارة المداخل والابواب والسلالم الشهيرة : الحديث النبوي "تيامنوا ما استطعتم" . في بعض الاحيان يستغرك المشهد دقائق بسبب المفاوضات وتدافع بالايدي مثل ما حدث مع ياسر عرفات مع إيهود باراك و بيل كلينتون . وكأن الذي يدخل قبل صاحبة سوف يلج باب الجنة ، او يحظى بامتياز الاحترام الخاص والمكانة العالية. وهنا القضية تتحمل بعدين الاول قيمي اجتماعي وهو الايثار والثاني ديني لان الحديث النبوي "تيامنوا" ينسب كحديث للنبي محمد .

ولكن لو نسال سؤالا ، اذا كان الناس يعلمون انه حديث نبوي لماذا لايتعاملون معه بصراحة وسلاسة ولماذا لايبادر من كان في اليمين بالدخول مباشرة على اعتبار السير وفق معنى ومضمون الحديث النبوي وهو الاولى بالاتباع . وهنا يجب ان نقف عن نقطة مفصلية في الموضوع وهي تفضيل القيمي الاجتماعي على القيمي الديني وهذا هو الخطأ الفاحش الذي نقع فيه كثيرا . والامثلة الاجتماعية كثيرة عن ذلك . فالمقتضى الظاهري لكثير من السلوكيات هي مغايرة للاحكام الشرعية والمقبول الشرعي ، رغم علمنا بحجم الخطأ الذي نقع فيه ومخالفته للشرع ، الا انه مقبول اجتماعيا بحسب الموقع النفسي والاجتماعي الذي يشغله كل فرد.

ولو سألنا سؤالا اخر :لماذا الناس يتبعون سلوكيات اجتماعية مخالفة للشرع رغم علمهم بطبيعة مخالفتها ، وما هو الباعث الحقيقي الذي يجعل الناس يتصرفون بمقتضى اجتماعي مخالف للدين ، السبب وراء ذلك هو ملا عليوي . لان في داخل كل عربي موجود ملا عليوي وهذا الملا لايرضى بكل القوانين والانظمة والاعراف والسنن سوى ما املته عليه سريرته التي تناسلت عبر الطبقات الاجتماعية . ملا عليوي مفردة صاغه علي الوردي في مقولته الشهيرة "العراقي افلاطون المظهر ملا عليوي الجوهر".

ملا عليوي خرّب الكون وغير مجاري الانهار ، واتلف الصحراء ، وشاكس الطير في السماء ، ولايمكن المساس به . يقال ان ملا عليوي الأصلي كان لديه ولد عاق يمتنع عن اداء الصلاة وغالبا ما كان يسبب الاحراج الى والده (الملا) المعروف في المدينة ، وفي احدى المرات قدم ضيوف الى ملا عليوي ، فأمر ابنه العاق ان يصلي بالضيوف صلاة المغرب ، فامتعظ ولده من مطلب ابيه كثيرا ، ولكن انتهى به الحال في ان يصلي بهم صلاة الجماعة وعندما وقف امامهم وبدا الصلاة رفع يديه الى السماء قائلا "نويت اصلي صلاة المغرب ثلاث ركعات جفيان كفاية شر (أكفي شر) ملا عليوي , فاصبح ذلك مثلا سائرا . فتعلم الناس من ابن الملا العاق سياسة ارضاء الملة فقط والتمتع بلذائذ النفس في الخلوات .

في ذات مرة كنت في احد المطاعم ، وحصل ان شخصا كان جالسا بالقرب مني ، واثناء تناوله الطعام دخل الى المطعم ثلاثة اشخاص من معارفه ، ما اضطر بهذا الشخص ان يدفع تكلفه غداء ضيوفه ورغم امتناعهم الشديد عن ذلك لان المطعم كان مكلفا ماديا الا ان ملا عليوي الذي بداخله اصر على ذلك ، وعندما ذهبت انا الى الكاشير لدفع حسابي الى صاحب المطعم جاء هو كذلك ليدفع حسابه مع حساب ضيوفه ، وعندما اخرج محفظته من جيبه كان يقول العن دينكم . لو سالنا انفسنا لماذا يدفع البعض حساب غيره في المطاعم او اجرة السيارات ، خصوصا اذا كانت مكلفة جدا ، هل هم فقراء او معوزين ، ما علاقة ذلك بالدين او الأخلاق او السنن ، لماذا نكلف انفسنا دفع مبالغ من ارزاق أطفالنا بسبب تقاليد ، لماذا لانعتاد على اشياء صحيحة خالية من الاحراج والتوجس ولماذا نفكر بعقلية غيرنا ، انه ملا عليوي ايها السادة الذي لايمكن ان يرضى بغير ذلك .

ملا عليوي ضخم الجثة جاحظ العينين اشعث الرأس كبير الخلفية ، لايؤمن بغير افكاره ولايمرر غير قوانينه ، لايسامح الاخرين ويفضل نفسه على الله ، قلبه متعلق بالمساجد ويبغض المسلمين ، يبكي في صلاة الليل ويطيل النظر الى خلفيات النساء ، يؤدي الزكاة ويكره الفقراء ، يمتلك ثلاثة هكتارات في الجنة ملكا صرافا ، ويسكن في العشوائيات ، لايمكن قتله بالسيف ولا بالثورات ، ولا بسم الفئران ، ولكن يمكن قتله بلسعة البعوض ، يستقبل الارزاق من السماء ويقسمها على الشياطين في الأرض .