ابن بطوطة

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ابن بطوطة رحّالة مغربي , من أكثر الشخصيات التاريخية التي ارتبط اسمها بالترحال والسفر والغامرات ، عمل ابن بطوطة كمؤرخ ، وقاض وفقيه ، وهو محمد بن عبد الله بن مجمد اللواتي الطنجي ، اشتهر بكثرة ترحاله فأطلق عليه لقب أمير الرحالة المسلمين ، ولد في 24 فبراير عام 1304 في طنجة في المغرب . يقول ابن بطوطة في كتابه التسكع في البلدان على ظهر الحمار الفرحان . زُرت بلاد الفرنجة وبلاد بني الأصفر وبني الأزرق وبني البني الغامق وبلاد عدنان ونامق ، فرأيت العجب العجاب العمارات تعانق السحاب وطائرات وقطارات ، حتى وصلت إلى الصين إذ الناس متروسة لكنها غير متعوسة فصناعاتها أكلت أخضر العالم ويابسه واسألوا العربي عن ملابسه. ودخلنا بلاد ما وراء الفلبين إذ الدراق والتين ، مروراً بالسند واتبعناها بالهند فعبرنا المضيق برفقة صديق فوصلنا الخليج العربي وقبل أن نرتدي البيجامة وصلنا المنامة إذ الناس في رخاء وسلامة ، حتى إذا طلع الفجر صلينا بروية واتجهنا نحو السعودية إذ المكبوس والمظغوط والبرياني والبسبوس ، وقبل تطبيق قرار رفع التأشيرات فكحنا مسرعين وقبل نزول المطر قد كنا في وسط قطر إذ الناس مرخية من العيشة الهنية قدم على قدم يتابعون على الـ beIN SPORTS الألعاب الأولمبية ، وقبل حلول الغروب أسرينا نحو الجنوب فاستقبلتنا الناطحات العاليات في بلاد الإمارات ، وقبل حلول العشاء تناولنا في صنعاء العشاء .

من أعجب ما رأيت عند أهلي من البصرة إلى طنجة في طريق عودتي ، والذي لم أكن ألحظه قبل رحلتي ، ما يقبله الناس سرا ويلعنونه في العلن من مثل : أنهم جميعا ، وبالأخص عوامهم ، يلعنون الفساد والمفسدين لكنهم إذا خلوا إلى أنفسهم دعوا الله مخلصين أن يطيل في عمر الفاسدين وأن يديم نعمة الفساد عسى أن تدور الأيام وتكون لهم حصة منه. ومن عجيب النفس العربية أنه إذا قام أحد المتهمين بالقرب من أولي الأمر أو حاشيتهم بالاتصال سرا أو الجلوس علنا مع أي جهة من أعداء الأمة ، أوسعوه شتما وتخوينا ، لكنهم إذا حانت لحظة انتخابات أعادوا انتخابه لأنه حسب زعمهم الأقرب للحكومة والأقدر على خطف حصة لهم من كعكة الفساد المتأصلة. أما إذا قام بنفس الفعل أحد أصحاب اللحى ، أو كما يسمونهم الأيدي المتوضأة ، فالصمت سيد الموقف . وإذا ناقش أحد ذلك مع العوام فهذا هو الكفر عينه ولا شيء سواه . وكأن لسان حالهم يقول لا بأس بالتطبيع المقدس ، لكن ما عداه فهو الدنس لا غير .

ومن ثم عبرنا البحر نحو مصر وقبلها السودان لكن الشعب كان نايم وتعبان ، وبعد أن مررنا بالجيزة لقينا على الأرض بريزة فصعدنا فوقها ووصلنا العريش ومنها إلى البلاد المحتلة من قبل خوات الهبلة ، وقبل الشروق وعبر زقاق البيوت وصلنا إلى بيروت إذ الكبة النية والصبايا الشلبية ، وبعد أن صلينا الظهر في جماعة برفقة أبو ولاعة قصدنا الغوطة وكانت حينئذ تقصف من أبناء الرافضة المفضوحة ومما سمعت وشاهدت كذلك ، تأمين المصلين يوم الجمعة لدعاء الإمام للحكام وبطانتهم بطول العمر وسداد الرأي . لكنهم إذا غادروا مسجدهم اتهموا إمامهم بالنفاق وشتموا أمه أو أخته بأقذع ما يمكن من الكلمات . وإذا حضروا اجتماعا عاما أو احتفالا هتفوا للقائد الملهم وكادوا أن يسجدوا له. ويبطشون في لحظة الانفعال تلك بكل من تسول له نفسه المساس بألوهية أو قداسة القائد الرمز ، ويعزون ما يتعرضون له من نهب وبطش إلى البطانة الفاسدة التي ينخدع بها القائد كل مرة يعيد تعيين أحد أولئك البطانة في منصب عام ، جريا على التساؤل الشعبي السائد وهو طويل العمر يدري ؟ لو كان يدري كان خوزقهم . لكني لم أرَ من المُخَوزَقين سوى ضعاف الناس وأولئك المطالبين بالإصلاح والعدل .

بعد تعب وخوف وعلى أنغام جورجٍ وسوف عبرنا الحدود وسلَّمنا على الجنود وعبرنا في أمان وصولاً إلى مقصدنا عمان بلاد الحب والحنان ، ولما وطأت أقدامنا بلاد ما وراء الفوسفات توقفت كل شعرة من شعر صدري وكأني لم أكن أعرف وأدري اجلالاً وتقديراً لما رأيته من جور ومطبات وحفريات ليست كالحفريات ، فلم أرى في مسيرتي كلها وأنا الرحالة العالمي شوارع مكسرة وزفتة منقطة وجوّر مقعّرة ، فسألت أهل المدينة عن السبب فأجابوا بالعجب ، إذ أن هناك إمام ذو عمامة يرأس مبنى يدعى الأمانة بدت على سنحته الجهامة وعلى خططه ألف استفهام وعلامة ، فصاح بي: علامه ! ما الذي تهذري به يا سلامة ! فقلت له على رسلك يا أمامه يا ذو الوجه الجميل والابتسامة فبدأت أُطرب أُذنيه وأرقص أمامه على ألحان راغب علامة ، وبعد أن هدأت أعصابه وأزاح أزلامه، قلت له عاصمتكم جميلة ، وأهلها نشامى، أهل العزة والكرامة ، لكن شوارعكم خطيرة تلمؤها القمامة والحفريات المقامة ليل نهار دون أن تتبع شروط السلامة. فقلت له جئتك من بلاد بعيدة أهلها سعيدة إلا أن خبركم لي وصل فخذني يا رفيق السلامة الى ما يسر النظر ويرجع الإبتسامة ، كي انسى مناظر حفرياتك المقامة. خذني إلى الباص السريع الذي إذا ركبته بلا قافية أصبحت مستريح لا أعرق ولا أشقى ويوصلني مشواري بالسرعة القصوى.

وأعجب ما رأيت ، ولم أره عند غير العرب ، هو دعائهم بخراب الديار وتشتيت الشمل وجفاف الضرع وحرق الزرع لمن هو مخالف لهم . والمخالفة قد تكون في الدين أو في المذهب لأهل الدين الواحد . وقد تكون المخالفة في نوع اللباس أو الطعام الذي يلبسه أو يأكله أولئك المخالفون. ورغم ذلك تراهم يهرعون زرافات ووحدانا يطلبون إذن دخول لبلاد أولئك المخالفين للعيش معهم والعمل لديهم . فإذا وصلوا تلك البلاد واستقامت لهم الأمور وصموا أهل تلك البلاد بالكفر والانحلال وغير ذلك من قبيح العبارة. وهم من أكثر الخلق حديثا عن الأخلاق ولا يفعلون ما يطابق حديثهم. فعند سادتهم "أعذب الشعر أكذبه"، وعند عوامهم "الكذب ملح الرجال". وهم يبيحون لأبنائهم ومن هم عزيزين عليهم فعل كل ما يحلوا لهم سرا ، ويعيبون على غيرهم إن كُشِف أمرهم . والحلال ما حلَّ في أيديهم والحرام ما طار إلى أيدي غيرهم. والأخلاق للتَّزيُّن لا للعمل . فسبحان الذي له الدوام وله الأمر من قبل ومن بعد.

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • سامي السلوادي