الأرض (فيلم)

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأرض
اخراج
يوسف شاهين
سنة الإنتاج
1969
قصة
عبد الرحمن الشرقاوي
بطولة
محمود المليجي • يحيى شاهين • حمدي أحمد • عزت العلايلي • نجوى ابراهيم • علي الشريف
اللغة
العربية

شاهدت بالتأكيد ذلك الفيلم الخالد الأرض ، إبداع يوسف شاهين الإخراجي ، الأداء المتميز للفنان القدير محمود المليجي ، المشهد الكلاسيكي الأبرز للنهاية والمليجي مسحول يكاد لحمه يختلط بتراب الأرض في إشارة واضحة لذلك الارتباط اللامنتهي بين المصري وأرضه، وما بين الفلاح وطينه ، المشهد المتحرك على الشاشة يختلط بالموسيقى وبالصوت يأتي , الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا ، ربما سيصدمك كثيرًا أن عبد الرحمن الشرقاوي مؤلف تلك الرواية العظيمة لم يكتب هذه النهاية أبدًا في النص الأصلي لروايته ، فعلى الرغم من الشهرة الكبيرة التي حظي بها الفيلم إلا أن قلائل فقط بالمقارنة بعدد من شاهدوا الفيلم هم من قرأوا رواية عبد الرحمن الشرقاوي وجمعوا بين الرواية الأدبية والمعالجة السينمائية، في الرواية يبدو الإسقاط السياسي أوضح ، الربط البديع بين الدستور والحقوق والحريات وما بين الأرض والطين ، وعلى الرغم من الإبداع الرهيب للرواية الطويلة الأحداث إلا أن المعالجة السينمائية للرواية آثرت بشكل حاسم ألا تنقل النهاية الروائية نفسها للمشاهد السينمائي .

ففي الفصول الأخيرة من الرواية يستطيع الإقطاعي الكبير فرض إرادته على القرية التي وقفت وقفة رجالة بتعبير المليجي ، تمر السكة الزراعية من بين أراضي الفلاحين وتبور أرض محمد أبو سويلم ، تعمل وصيفة ابنة محمد أبو سويلم مضطرة تحت ألم الجوع في السكة الزراعية ذاتها التي ناضل الفلاحون ضدها ، وفي الرواية يصور الشرقاوي اعتياد الفلاحين شكل السكة الزراعية ودخولها موروثهم الشعبي عبر الأغنية ع الزراعية يا رب أقابل حبيبي.

وفي حين كان الشرقاوي واقعيًا صور انهزام الإرادة الشعبية، وأمعن في تصوير الهزيمة بوصف حالة الاعتياد والتكيف التي أصابت الجماهير التي ناضلت ضد الزراعية وهي تغني لها أو تعمل تحت وطأة الجوع لصالحها ، لم يرد يوسف شاهين مخرج الفيلم أن يكون صادمًا للجمهور السينمائي، ففضل نهاية سينمائية مجسدة للاستبداد ومحرضة ضده ، على نهاية تصيب مشاهده بخيبة الأمل ، وعلى الرغم من منطقية الدوافع السينمائية لتلك النهاية، إلا أن رواية الشرقاوي تعد مدخلاً مهمًا لفهم حالات اعتياد القبح التي تصيب الجماهير مع الزمن ، فبزيارة إلى أرض النوبة مثلاً يدهشك ذلك الجمال الفتان للبيوت ، الألوان المتناسقة والأفنية النظيفة بغير شركة نظافة أو عامل حكومي ، صورة تعيدك إلى صور قديمة لشكل العاصمة القاهرة حين كان شعبها مثل الشعب النوبي لم يعتد القبح ولم يتكيف مع وجود أطنان القمامة من حوله.

والحقيقة أن كل يد تضع ورقة في حقيبة حتى تصل إلى صندوق قمامة هي يد لم تعتد القبح بعد . السبب الرئيس لكون موجات الغضب متركزة دومًا في الأوساط الشبابية دون غيرها هو عدم تسلل تلك الحالة من اعتيادية القبح إليهم، ما جعل تلك المجموعات الشابة جريئة في تسمية القبح بأسمائه القبيحة، فالرشوة مثلاً ليست هدية ، أو شايًا بالتعبير الدارج ، ومن ثم فإن كثرة مرتكبي الفعل لا تعني بالضرورة صوابه لدى تلك الأجيال التي أتاحت لها الظروف تربية قيمية جعلتهم يصابون بالصدمة للمسافة الشاسعة بين ما تربوا عليه من قيم ، وبين ما ينبغي عليهم الاعتياد عليه للتعايش مع أطنان القبح المجتمعي.

وإذا كانت الظروف قد أتاحت لأجيال هزيم الرعد ، و بكار ، و سابق ولاحق تربية تمكنهم من تمييز صحيح بين الغث والثمين ، ومناعة ضد الاعتياد والتكرارات الروتينية، فإن معركة هذا الجيل الحقيقية هي مقاومة تطاول الزمن على روحه المتمردة، ومقاومة يد السنين التي تريد إدخاله في خانات الاعتياد .

أما الأجيال القادمة فإنها تجد نفسها بين شقي الرحى ، إذ يؤدي تزايد الاعتياد على القبح في المجتمع إلى فقدانهم الفرصة في تربية قيمية تزيد مناعتهم ضد دخول دوائر الاعتياد وتجعل يد اعتياد القبح ذات سطوة أكبر عليهم، يساعد في ذلك الانهيار الملموس في العمل الفني المقدم للأطفال، وانتشار السينما ذات الاتجاه السبكي شديد التأثير على الأجيال الجديدة ، ما قد يحول مع مرور الأيام هذا الاتجاه من اتجاه مرفوض إلى اتجاه معتاد لا يجد المشاهد في نفسه حرجًا منه، ومن ثم فإن إطلاق نذر الخطر الصاخب ضرورة قبل أن تأكلنا نيران تعود القبح وفقد قدرة التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، وعليه فإن مشاهدتك القادمة لفيلم الأرض يجب أن تكون محذوفة النهاية السينمائية، موصولة بالنهاية الروائية، تخيفك دومًا ألفة السوء، وتقترن بالصرخات الهادرة، لا تعتادوا القبح ، الاعتياد قتال.