لحاف

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من البطانية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

اللحاف (بالإنجليزية: Quilt) غطاء من القطن المضرَّب يتدثر به النائم الذي يجب ان يمد رجليه على قدر لحافه . يا رجل على قد لحافك مد رجليك ، تسمعها يومياً في الوطن العربي . القانون قانون ، وإذا أردت أن تبقى موظفا عندنا ، فعليك أن توائم قدميك مع اللحاف . تذكرت المحاضرة الصباحية ، التي أخضعني لها المدير ، حين طلبت منه زيادة طفيفة على الراتب ، بعد أن تجمّد راتبي ، في ثلاجة الموتى ، منذ سنوات . عدت إلى البيت مكسورا ، فقد كنت أتمنى لو استجاب المدير لطلبي ، لأن راتبي لم يعد يستطيع تغطية أقدام الشهر الطويلة ، وحاولت تلك الليلة أن أوائم جسدي مع اللحاف ، فضغطت جسدي ، وانكمشت ، كي لا يعضني البرد .

خرجت صباحاً إلى الجزّار ، لأبتاع نصف كيلو لحم مستورد ، فوجدت أن الأسعار قد ارتفعت ، عن اليوم السابق ، وأن ما أحمله في جيبي لا يغطي نصف كيلو اللحم المطلوب ، فقهقه الجزّار ، وهو يلوّح بساطوره الطويل ، الأطول من لحافي ، وأخضعني هو الآخر لمحاضرة ، عن ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة ، بسبب حمّى تصدير خرافنا إلى الخارج ، وقال بأن على الإنسان أن يتواءم مع دخله ولا بأس أن أشتري أوقية لحم بدل نصف الكيلو ، وختم محاضرته القيّمة بعبارة: يا عمي على قد لحافك مدّ رجليك ، واضطررت من جهتي طبعا ، أن أثني على نظريته ، خصوصا ، عندما لمحت مدى حدّة ساطوره الطويل .

عدت إلى البيت تلك الليلة ، مفروما ، لأنني لن أستطيع شراء اللحم المستورد لأطفالي بعد الآن وعلي أن أوائم جسدي مع اللحاف الآخذ بالانكماش ، فكوّرت جسدي ورفعت ركبتيّ إلى ذقني ، كي أكتفي بما لدي من فلول اللحاف . خرجت صباحا متيبّس الأطراف واضطررت أن أحني قامتي مرات عدة ، كي أتمكن من الخروج من فتحات منزلي ، ومشيت مترنحا ، في الشوارع ، قاصدا مكان عملي .

في الطريق ، لمحت مظاهرة احتجاج ، على قانون الصوت الواحد الانتخابي ، وكان المتظاهرون، يرفعون لافتات من قبيل "القانون الجديد لا يغطي تطلعاتنا ، وآمالنا ، و المتغطي في الحكومة بردان . وفي مواجهة المتظاهرين ، كان ثمة مسؤول حكومي ، يحاول أن يقنع المتظاهرين بمحاسن القانون الجديد، ويصرخ فيهم بعبارات من قبيل: " هذا أفضل ما استطعنا التوصل إليه، والمسؤولون سهروا ليالي طوالا لم تشمّ فيها أجسادهم ألحفتهم، وهم يُعدّون هذا القانون من أجل عيونكم ، و يا إخوان المرحلة دقيقة وحساسة، ولا تحتمل المزايدات ، أما آخر محاضراته فكانت عبارة قاطعة مانعة لا تخلو من الوعيد ، بعد أن ضاق صدره بهتافاتهم: "إيدكو وما تعطي ، هذا اللي أجاكم ، وعلى قد لحافكو مدوا رجليكم" ، ثم بدأت أقدامه الطويلة تمعن بالركل والشلاليط .

وما إن ابتعدت حتى لمحت مظاهرة أخرى ، ضد الغلاء ، وكان أيضا ثمة مسؤول يتحدث من كرشه المدلوق عن قلة الموارد ، وعن ضرورة التقشف ، وعن ضرورة مدّ الأقدام على قدّ الفلقة ، ثم يعود فيستدرك على قد اللحاف . توقفت برهة وتساءلت : يبدو أن المشكلة ليست في اللحاف القصير ، بل بأقدامنا ، وقاماتنا ، نحن المواطنين ، وينبغي علينا أن نتواءم مع الألحفة الرسمية ، بكل مواصفاتها .

ولا أدري كيف غيرت طريقي في تلك اللحظة ، عائدا إلى البيت ، واتجهت مباشرة إلى لحافي ، وحشوت جسدي أسفله ، وكوّرت نفسي ، فاستغربت كيف استجاب لي هذه المرة ، وغططت في سبات عميق لم أعتد عليه ، قبل اليوم ، ممتثلا لكل المحاضرات الرسمية والاجتماعية ، التي ثقبت أذنيّ منذ وعيت على عمري القصير .وفي الصباح ، كنت مرتاحا ، ومطمئناً على خلاف سابق عهدي. لكن المفاجأة التي عقدت لساني ، حدثت حينما أبعدت اللحاف جانبا .. يا للفجيعة ، فقد غدوت قزما .

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • باسل طلوزي