البغاء في اليونان

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

البغاء في اليونان اليونان شرقية أكثر منها أوربية في أخلاق أهلها ، كما تبدو كذلك في حروفها الهجائية ، وقي مقاييسها وموازينها ، وسكنها ، وملابسها ، وموسيقاها ، وفلكها ، وطقوسها الصوفية . في اليوم الثامن عشر من رمضان ، انطلقت بي السيارة باتجاه شراب العشاق الذي تعصره السيدات المشتاقات للرجال المهملين لأغراض أفلاطونية خالصة. صعدنا الدرج ، فالمصعد معطل , رنّ الجرس فسمعنا أصوات جري وهرولة ، فُتح الباب فوجدنا خمس صبايا ، مشرقات من النضارة والجمال ، والعري المفترس ، سيقان وأفخاذ و نهود لامعة السفوح وبارقة ، يكاد سنا برقها يذهب بالأبصار ، لحقت بهم السادسة ، واستقبلنه عند الباب ، كما تستقبل الهررة الجائعة صاحبها العائد بعد غياب .

عرفنا القواد بباولا ، سوكي ، فيث ، ماريانا ، ميلينا ، وانجلينا ، ودعانا للدخول ، ودلّنا على غرفتنا ، ونحن بحاحة إلى هدنة تعارف ، نتلمس فيه دربنا الوعر من سطوع الجمال ، ثم انصرف القواد إلى إحداهن ، انجلينا ، وبدأ يوبخها ويغلظ عليها ، ثم غضب ، وراح يضربها لكماً ورفساً ، وانهمك في إيذائها ، يلكم نهديها الصغيرين ، وهي مستسلمة مثل كيس الملاكمة ، تتطوح ، وتتقي ضرباته ، وتبكي ، وتعلن التوبة ، صوتها المذنب كان ينوح ، وترتد إليه ، ونحن واقفان كأننا نشهد عرض مصارعة حرة من طرف واحد.

استمرت حفلة الضرب دقائق، وجدناها دهراً ، وحبسنا الأنفاس ، كانت زميلات انجلينا صامتات ، بل إن بعضهن استمرين في أعمالهن ، ولا عمل لهن سوى هواتفهن . لم يكن ضرباً عادياً ، كان مبرحاً ، كالذي نراه في أفلام المافيا ، كان ضرباً يؤدي إلى الموت ، نظرت إلى أبي النور ، كان يحبس أنفاسه مثلي ، تكومت انجلينا على الأرض أنقاضاً من اللحم والعظم ، ولم تكن ترتدي سوى بضع خرق ملونة ، يمكن طيها ، وحشرها في الجيب ، وعلى جسمها الأبيض تشكلت بحيرات حمراء ما لبثت أن تحولت إلى كدمات من السواد والزرقة ، سكن غضب القواد أخيراً، وارتوى من نقمة الغيظ . لكنه ظل يشتمها بلغة أرسطوطاليس وسوفوكليس.

ماذا نفعل ، فنحن أسرى ، ولا نعرف أحداً في أثينا ، وتذكرت شهادات المعارف ، والسجناء السياسيين ، الذين خرجوا من السجون السياسية ورووا لنا الفظائع ، وأن أقسى ما لاقوه من أهوال ، لم يكن التعذيب ، وإنما سماع أنّات وآهات النساء والأطفال، وعجزهم عن تقديم العون لهم. لم نفعل شيئاً لأنجلينا، كانت مروءتنا قد ماتت ، إلتفت إلينا القواد واعتذر ، وقال: إنها تستحق العقاب، ثم خرج ، بعدما دعانا إلى اعتبار الشقة شقتنا. ولم نعرف تهمة انجلينا. سقطنا من الإعياء ومن الضرب الذي نالنا ، كما نالها، نتخبط في الأكم وفي الوهد .

عادت الحسناوات إلى مقصوراتهن ، ولم يبق مع انجلينا المجدلية سوى الأفريقية السمراء فيث ، تحاول إسعافها ومواساتها، كان صديقي مذهولاً من أمرين: الأول أن يهان كل ذلك الجمال، الذي لم يره قط ، ويضرب كل ذلك الضرب ، وهنا لا بد من التعريف به ، هو صديق تعرفت به حديثاً ، عمره إحدى وثلاثون سنة ، والسنة غير العام ، أعزب ، لم يعرف أنثى قط ، عفيف وتقي وورع جداً ، من أسرة صالحة ، ربتّه على الصدق والإحسان ، والأخلاق الحميدة ، وهو هيّن ليّن سهل قريب . كان يستحق أن يعشق من أي صبية. كان واقفاً مذهولاً ، لا يزال ينظر إلى الحسناء المضروبة ضرب البغال ، وقد برز نهدها الصغير من القميص الملون ، الذي كانت ترتديه، وعليه فراشات كثيرة، وأشجار، وزهور ليس لها من جنسها أزواج ، وكائنات مجنحة لم نرها في أطلس بعد.

بادرتُ إلى إخراج علبة من التمر من حقيبتي ، كنا تزودنا بها زاد الطريق ، وفتحتها ، وبدأت أقدمها للذئبات ، فأقبلن عليها بشهية، ونادت فيث صاحباتها، وخلال دقائق كانت العلبتان قد نفذتا، وسعدنا كثيراً بالسرور الذي ظهر عليهن. انجلينا نهضت، وجلست وهي تتأوه، وبدأت تأكل، واللعاب يسيل من فمها من شدة الألم. أعددت شاياً طيب الأعراق ، وشربنا ، وشربتْ معنا الذئبات المدجنة ، عاد القواد فاستقبلته الذئبات المدجنات على الباب ، وسرعان ما أعدّت له باولا النرجيلة ، والحق أنها كانت جاهزة ، وما أعدته هو مكعبات جمار الفحم ، وأحضرت انجلينا ، وهي تعرج من ركلة في ساقها الممردة ، الماء الساخن في وعاء معدني ، وقربته من القواد الذي لا يبتسم إلا نادراً ، فمدّ قدميه في الماء، وجلس ينفخ الدخان المطيّب، الذي عبق الغرفة برائحة معسل خمائر التفاح ، وانكبت بإخلاص تدلك قدميه وتغسلهما كما في أفلام الفتوات المصرية.

لن أنسى القول مرة تلو المرة، إنها كانت شبه عارية ، والكدمات زرقاء واضحة على جسدها، وفخذها الأبيض الناصع، وعلى قميصها ورود وزهور ليس لها من جنسها أزواج، ولم نرها في أطلس قط. كانت الحياة شاقة مع الذئبات الست ، اللاتي يزمجر عريهن ، لولا عيب منكر ، هو الوشوم العجيبة على أجسادهن ، سوى فيث السوداء وسوكي ، عقارب وتنانين ، نباتات وطحالب على أجسادهن ، لم نرها في أطلس ، ولا في كتاب مبين ، في النحر وعلى السواعد والرقاب . البياض، فغضب جسدها مكتوم، والحق أننا نجونا من الافتراس بفضل الإخصاء النفسي، الذي يسمى في باب الأخلاق، بالعفة.

ما أرويه ليس حكاية الذئبات الست ، ولا حكاية انجلينا ، التي لم نعرف لمَ تضرب ، إنما هي حكاية صديقي أبي النور، الذي لم أرَ مثل عفافه عفافاً ، وكان روى لي قصة خروجه من سوريا ، ومحاولات نزوحه الفاشلة عبر البحر سبع مرات، والشرطة التركية تأسره، ثم ترده، عندما أمره والده بالهرب من حلب هو وأخوه، ونصحهما بسلوك طريقين مختلفين، كما وصّى يعقوب عليه السلام أبناءه،" لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ". وهو شاب ذكي، كان يمكن أن يكون قائداً أو فاتحاً ، لولا أنه ولد في سوريا الأسد ، فضمرت مواهبه ، كما ضمرت مواهب أجيال في سورية، والأهم في سيرته، هي أنها خالية من ذكريات الأنثى ، عاش راهباً في الأمن والاستقرار الجنسي ، وقد تأخر زواجه، وهو يدخل العقد الثالث بخطى فتية ، ذهبية السنابل ، يشوبها الزيوان ، حتى بات يرهب الأنثى، تأخر بسبب ما يسمى في سوريا تكوين الذات ، وتكوين الذات مثل التوازن الاستراتيجي ، الذي يختبئ خلفه النظام هرباً من المعركة، لولا أن الفرق، هو أن التوازن الاستراتيجي ذريعة، وأن تكوين الذات، غرامة اجتماعية واقتصادية. ولم يكن قد أحب أنثى وراسلها، لا قصص حب في حياته، المرأة عنده شبح أو طيف، أو وهم والإقامة مع ست إناث مفترسات بعريهن الفاجر، هي واحدة من أهم معاركه في الحياة.

سألني صديقي أبو النور عن هذا السلطان الكبير للقواد عليهن، فتأولت الأمر في أنه يقدم لهن المال والمأوى والطعام ، وربما هن مدمنات على بعض العقاقير المحرمة الغالية. وقلت: قس حبهن له ، بحبنا للسيد الرئيس. القط يحب خنّاقه. كان من المؤسف أننا نتواصل بالإشارة، فلا نعرف من اللغة الإغريقية شيئاً، ولا يعرفن الإنكليزية أيضاً، وكنا مدهوشين من أن كل هذا الجمال لا يعرف اللغات ، فإن لم يكنّ يعرفن اللغات، فلا بد أن يعرفن إحداها، ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للغيظ أن ينفجر ، سوكي كشفت لنا أنها مغربية الأصل ، واسمها سكينة ، لكنها لا تعرف من العربية سوى البسملة ، وبعض عبارات الترحيب ، وكانت انجلينا قد نالت سومة أخرى ، مثل الأولى من العذاب ، وترددتُ كثيراً في أن أسأل السيد القواد عن ذنبها لكنني سألته عن سبب تعلق البنات به كل هذا التعلق ، وقلت له إنه ذكرنا بملك اليمين وعصر الجواري ، فسكت وابتسم ، وكأنه قد اعتنق أفكار الأمير في كتاب ميكافيلي الشهير ، وصناعة الهيبة ، وكان أميراً ، أمته كلها من الكواعب . غادرنا المكان لقناعتنا بأن المال، سيذهب كله إلى الشرطة الإغريقية والقواد وتوجهنا الى مطعم تركي حيث الأكل والشاورمة حلال .

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • أحمد عمر