السرطان

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

السرطان تحية طيبة يا جماعة , أنا مواطن عربي , هاجرت الى اوروبا في عام 1948 , أنا مريض جدا و سأموت بعد حوالي ثلاثة أشهر , بعد أن أصبت بالسرطان أصبحت عالة على المجتمع الديناميكي الأوروبي المتحرك كالقطارات السريعة حيث أخبرني الطبيب أني مصاب بالسرطان في القضيب الذكري و أن رحيلي عن هذا العالم الفظيع إلى عالم فظيع آخر بقي له 100 يوم فقط . كمواطن من أصول عربية فإن أول مافكرت به هو يا لهوتتتتتي .. يا لهوتي.. يا لهوة.. يا لهوة , فقال لي الطبيبب الإنجليزي : ما تروق يا عم, الدنيا دي رايحة يا راجل , فقلت للطبيب Dr.Dick لقد كان قضيبي منذ الصغر في انحناء نحو اليسار وكنت أعتقد ان ذلك نصيحة من الخالق بأن اكون يساريا و أنظم للحزب الشيوعي وبالفعل فقد إلتحقت ومع السنين وتقدمي في مراتب الحزب إزداد يسارية قضيبي وأصبح على شكل رقم 6 وبعد قيام الثورة الإسلامية في ايران و قيام المملكة الوهابية السعودية بالمنافسة و إنهيار جدار برلين حاولت تعديل هذا الانحناء بالمطرقة وقراءة بعض الأدعية الملينة الراخية للقضيب , كنت اتصور ان ذلك الإنحناء هو إحناء فكري و فلسفي وليس سرطاني .

الإنسان قبل أن يموت بسرطان القضيب يتذكر اللحظات السعيدة المستقيمة الغير منحنية . يستذكر تلك الأيام والأشخاص والأمكنة التي قضى فيها أيامه الجميلة. يستذكر فناجين القهوة وأغاني الأطفال وحنو الجدة وحكاياتها. هذا ما حصل لي بالضبط ولذلك عدت لأموت في المكان الحميم ومع الناس الحميمين . أريد أن أموت وأنا أرى الحب والأخوة والشجاعة والجماعة . أنا بصراحة يا شباب لا أريد أن أموت وأحرق في محرقة بلدية اوروبية بل أريد أن أدفن في هذه الأرض ويخرج في جنازتي مئات الناس يسيرون حاملين على أكتافهم نعشي ، ويطلقون الأدعية ويذرفون دمعات رقيقات ثم يزرعون على قبري عروق الريحان ، دائمة الخضرة .

الموت في أحضان الوطن[عدل | عدل المصدر]

حاولت ان أوضح كل هذا للرجل الملثم الذي أوقف السيارة التي كنت فيها بالقرب من المثلث السني بالقرب من بغداد عند هبوطي فقلت له : لقد أصبحت في الستين والإنسان بعد عمر طويل يموت . هذا شيء أكيد . صحيح أنني عشت في رفاه ، ولكن عندما أصبحت في الستين وجدت أنني سأموت قريبا وأن الرفاه لن يفيدني في شيء . كيف يمكن أن أموت في بلد غريب وأدفن في أرض غريبة . هل هذا يجوز ؟... ولذلك فقد عدت ، ولن أخرج من هنا أبدا ، حتى الممات . قال لي الرجل الملثم بعد ان أخذ كل ما معي من الدولارات : إن هذا لشعور وطني رائع , إني أرى فيك مناضلا مجاهدا عالي الهمة . لم تعد إلى الوطن لتسرح وتمرح وتربح بل جئت لتموت ، أي أنك جئت لتموت في سبيله. إننا نناضل ضد الشيعة , إنهم يموتون دون حساب ، كل ذلك في سبيل الوطن وحريته . يريدوننا ان نركع , كلا و ألف كلا سوف نخرج لهم ألسنتنا و قضيبنا المستقيم ونهتف بالشعارات المستقيمة الغير منحنية مستعملين لساننا المستقيم بينما سوف نستعمل قضيبنا المستقيم جدا لخوزقة الأعداء . وقد أصبح لدينا أعداد كبيرة من الشهداء و الميت محترم في هذا الوطن أكثر حتى من الأحياء .

في هذا العالم يوجد نوعان من الموت . النوع الأول هو الموت التكنولوجي وهو باختصار الموت في شقة مقفلة أمام جهاز التلفزيون دون صديق أو قريب يكتشف الجثة فتتفسخ وتنتشر رائحتها فيهرع رجال المطافئ وعمال دفن الموتى لا ليكرموا الميت بل لإنقاذ الحي والعمارة من رائحة التفسخ والنتن ، أو الموت في الشارع بالسكتة القلبية أو التلوث بسبب تسرب الإشعاع النووي وتناول الفروج الكيميائي . أما الموت الآخر فهو الموت الشرقي الموت في الوطن هنا يموت الإنسان وإلى جانبه شخص واحد على الأقل يمسك بيده ويذرف له الدموع . صحيح أنه بسبب الأمراض السارية وسوء التغذية او سيارة مفخخة ، إلا أن للموت نكهة خاصة في الشرق ويمكن أن نقول رائعة . هنا يحملون الميّت على الأكتاف يبكون ، يولولون ويندبون ، يصفعون أنفسهم ويمزقون ثيابهم يدفن الميت بمراسم طويلة ثم توزع الحلويات وعرق السوس . خلال يومين يستقبلون ويودعون مئات الناس الذين جاؤوا للتعزية ، ويهمسون في آذان القلة المقربة كي يأتوا في اليوم الثالث . فيه ستقام وليمة هائلة للترحم على الميت ومجازاة الناس الذين تعبوا وعرقوا في توديعه . هنا إذن يموت الإنسان وهو يبتسم . الشرق العظيم يبكي أثناء الولادة ويبتسم أثناء الموت . يركب الشرقي سيارة مفخخة ويطير بها نحو مبنى يحتوي على المئات من الرجال الأعداء الأبرياء وهو يبتسم يحمل الشرقي على ظهره مائة كيلوغرام من القنابل ويفجرها أمام حافلة لنقل الطلاب تحتل الأرض . يا له من شرق عظيم: هنا سأموت .

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • إقتباس فكرة من رواية السرطان للروائي نهاد سيريس .