السياسة التونسية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

السياسة التونسية عبارة عن زلازل وبراكين ورجات وانزلاقات . فما عدى حزب النهضة الأصولي والتيوقراطي فلا من حزب ثابت ولا من نجم دائم . كل إنتخابات تلد أحزابا بالكاد تكونت وأخذت الترخيص و تدفن أخرى وتلقيها في مجال الصفر فاصل بعد أن كانت فذة و متمكنة. شيء عجيب و محير . أحزاب ناضلت عقودا تنطفئ في رمشة عين وأخرى تنتصر بعد بضعة أشهر من ميلادها لتندثر من جديد في الانتخابات الموالية. أين هو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية للمنصف المرزوقي وحزب المسار الإشتراكي و الجبهة الشعبية وحزب النداء الفائز في الاتخابات الفارطة و العريضة الشعبية للحامدي ووو...

لماذا صمدت النهضة نسبيا واندثر الآخرون ؟ , لماذا تصمد الأحزاب في الغرب طويلا وتفنى في تونس في رمشة عين ؟ , لماذا يصوت الناخب بقوة للنداء أو المؤتمر أو قلب تونس ليتنكر له تماما فيما بعد ؟ , لماذا هذا الكم الهائل من الناخبين الرحل ؟ مئات الآلاف من المتنقلين من البورقيبي الباجي قائد السبسي إلى رجل الأعمال الفاسد سليم الرياحي إلى رجل الحقوق المنصف المرزوقي إلى السخيف الشعبوي الهاشمي الحامدي فحتى حزب النهضة بدأ يأخذ تدريجيا حجمه الحقيقي أي دون احتساب أصوات الناخب الغجري , أي في حدود الـ 10 % أو حتى أقل أي باحتساب أصوات منخرطيه فقط.

الواضح أن جل الناخبين في تونس غير متحزبين ولا ينتمون لفكر سياسي معين ما عدى زمرة أصولية متطرفة تابعة لحركة النهضة وقلة شيوعية اشتراكية أكاديمية نخبوية تنشط أساسا في كليات العلوم الإنسانية. الواضح أن سواد الشعب التونسي براغماتي وجاهل أيديولوجيا . لا يفقه معنى اليسار أو اليمين أو الليبرالية أو العلمانية , لأن سواد الشعب التونسي غير متعلم أو شبه متعلم فجل التلاميذ يغادرون قاعات الدرس مبكرا، بالكاد يجيدون القراءة وحتى المتحصلون على الشهادات العليا لا يفقهون إلا في اختصاصهم و يفتقدون إلى ثقافة عامة صلبة. فالثقافة السياسية منعدمة والنقاشات معظمها تدور في خضم المباريات الرياضية والمشاغل الحياتية.

ولتعزيز ما قلته تأمل الوعود الإنتخابية للفائزين في المحطات الإنتخابية: كل الفائزين دون احتساب النهضة قدموا وعودا براغماتية مثل: منحة قارة للعاطلين، مساعدة مالية للراغبين في الزواج، خلق 500 ألف موطن شغل...أو تقديم خطاب شعبوي عام مثل: القضاء على الفساد والإرهاب والمحسوبية والفقر . إلى حد الآن لم يجد الناخب حزبا يقدم حلولا ناجعة. فالكل يسعى إلى السلطة دون أن يملك البرنامج والآليات التي تجعله يستمر في الحكم. فحتى النهضة التي تتباهى بكونها بقيت صامدة ورائدة هي في تقهقر مطرد ولولا النسبة الهزيلة للمشاركة الإنتخابية لما تعدت نسبة أصواتها العشرة في المئة. الكل عجز. وكل دورة انتخابية جديدة تنفر الناخبين أكثر، فما هي جدوى استبدال عاجز بعاجز ؟

أما سبب العجز الرئيسي فهو تمحور الأحزاب في زعيم وشخص. ليست الأفكار والإيديولوجيا والثوابت هي المهمة بل كاريزما الزعيم وهو وضع لم يتغير منذ ألفي سنة. الأحزاب في الغرب ترتكز على فكر ثابت ومبادئ صلبة. تتغير الزعامات أما الحزب فيبقى بينما في تونس يموت الحزب بفشل زعيمه. على الأحزاب السياسية الإقتداء بمنظمات المجتمع المدني التي ترتكز على مبادئ واضحة ولها أهداف تهم المجتمع ومنخرطيها بينما أهداف الأحزاب التونسية تنحصر في الوصول إلى السلطة، لا غير.

تونس الأمل بالأمس القريب , اليوم، تونس الإحباط , يسرقون الأمل قبل أن يسرقوا الثروة ويجهضوا الثورة , يسرقون الحياة والياسمين , يسرقون المستقبل , يحرفون مجرى التاريخ , الكل يكتب، مدحا أو هجاء , الكل يعلق ويحلل , الكل حاضر / غائب , الكل حي/ ميت كان الأمل مع ميلاد الشهيد البوعزيزي , كان الأمل مع رحيل بنعلي , كان الأمل مع البوح التاريخي أو الصدق التلقائي: "هرمنا من أجل هذه اللحظة". كان الأمل من قبل ومن بعد , كان الأمل حيا , اليوم، رغم انتخابات اليأس والإحباط، لم يمت الأمل ولن يموت , الأمل حي دائما كما الهواء.