سيرة ذاتية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من السيرة الذاتية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

السيرة الذاتية (بالانجليزية: Curriculum vitae) تبين لي ، بعد طول خازوق ، أن العربي لا يعرف كتابة سيرته الذاتية. لقد ضمرت عضلات ذهنه الفكرية وقلت عدته، ونسي ولم نجد له عزماً، وعاد تحت كعب الصفر الحضاري . السيرة الذاتية المقصودة، هي التي يشار إليها مختصرة في لغة العلوج الأفاضل CV واسمها في العربية: علم التراجم، وهو العلم الذي يتناول سير حياة الأعلام من الناس عبر العصور المختلفة. وهو علم دقيق يبحث في أحوال الشخصيات والأفراد من الناس الذين تركوا آثارا في المجتمع. وله أقسام: الترجمات على الطبقات ، وعلى الحروف ، وعلى الوفيات ، وعلى القرون ، وعلى البلدان. السيرة الذاتية المعاصرة ، عادة لا تتجاوز الصفحتين ، يقدم فيها طالب العمل أهم المعلومات عن مؤهلاته وفروسياته ووثائقه ، ولادة ، وتعلماً ، وتزكيةً ، ووقائع. وكتابتها أشقُّ من خرط القتاد ، وقد طلبت من صديق فلسطيني شاب أن يغيثني في كتابة سيرتي الذاتية، فاستنكر قائلاً: كأنها المرة الأولى التي تكتب فيها سيرتك الذاتية؟

فعلا هي المرة الأولى يا أخي ، يسأل وكأنه من كوكب جارهيد ! لا سير ذاتية في سوريا يا صاحبي. السيرة، هي السيرة العامة، هي سيرة الوطن ، هي سيرة الرئيس ، وهي سيرة تجمع النقيضين ؛ المعلوم والمجهول ، المعلومات في سيرته مقتصرة على العظمة والنبوغ والفرادة ، وأسرار حياته مجهولة مثل مثلث برمودا ، مع أنّ الرئيس يوصف بالشفافية في التحاليل البلاستيكية. يمكن وصفه بالذات الرئاسية. سيرته كلها أسرار، يظهر على التلفزيون كثيرا، لكن ظهوره كظهور القمر في صفحة السماء ، والقمر عال... هو مثل القمر يحتاج إلى رائد فضاء، وهو يشبه الشمس ، من يقترب منها يحترق. سأل: ألم تكتب سيرتك الذاتية عندما تقدمت للعمل، لا بد أنك عملت في سوريا ؟

نعم عملت في شركة لصناعة العلكة ، العلكة، أشهر صناعة سورية على الإطلاق في عهد الأسد الأب الصامد، المتصدي للشعب ، ما من سوري إلا وعلك ، وفي عهد الأسد الابن تحسنت صناعة العلكة الفموية ، وصارت علكة بصرية، أقصد مسلسلات الفانتازيا التاريخية ، التي صار مخرجها نائباً لرئيس مجلس الشعب الفانتازيا. ابتدع الأمريكان العلكة لتنفيس الغضب ، أما تنظيم النظام فروّج العلكة كصناعة ثقيلة ، وسلاح مقاوم . انظر إلى نجاح مسلسل قيامة ارطغرل في تركيا، الذي صار بطله رمزاً، وموسيقاه نشيداً، وقارنه مع ابن الوهاج في مسلسل الجوارح ، الذي حلّ محل صقر قريش ، وبنى مزة 86 بدلا من الأندلس ، انظر ما حلّ بباب الحارة، الذي صار شباكا تدخل منه كل الكتائب والطغم والشراذم ، لا تستغربنَّ أن يصير اسم أبو عصام الجديد، أبو عصام الأصفهاني أو أبو عصام أصغر شاماني . سأل: كيف وُظفت إذاً؟

تمّ الأمر عبر الهاتف يا أخا الشام، تخرجتُ ، وأرسلت الجامعة شهادتي إلى دائرة المخابرات ، فقلّبتني المخابرات في الموازين ، واختبرت ولائي بالنيران ، فوجدتني مقبولاً ، وقبلت بي موظفا عند الدولة . المخابرات هي التي تكتب السير الذاتية للرعية . هتفتْ للشركة ، فقُبِلتُ طوعاً أو كرهاً، أي ، عاطلاً مقنَّعاً. المهندس لم يكن يحق له أن يرى شهادته . الذريعة هي الحرص على الاستفادة من الطاقات والمواهب الوطنية، أذكر أنّ نائب رئيس الوزراء زارنا مفتتحاً أحد المشاريع، وكان يضع صمغ الجلّ على شعره، وقال: ستموتون هنا..ورب الكعبة هذا ما قاله لنا، سُجن لاحقا بتهمة الفساد.

بعد تولي الابن الوريث ، طلع علينا الملقب بالأمل بالإصلاحات، فاستقصت الشركة عن موظفيها، فوجدتْ أن المهندسين في الجيل السابق ليس لهم وثائق، سأل الموظف: أنا لا أفهم كيف توظفتم في هذه الشركة، غريب! . عاش السوري في حقبة الأسد، التي توصف بالبعثية، وهي حقبة قبرية لم يبعث فيها سوى الأرذلين والسفهاء والمجرمين من القبور، عاش الشعب نصف مائة سنة من العزلة. وجدت بعد النزوح إلى المنافي ، أن معظم أصدقائي من الأطباء والمهندسين ، وهم النخبة السورية، لم يكن لديهم ايميلات أو فيسبوك ! . كنت قد قصدت صديقي في يوم العطلة لمساعدتي، هو يعيش في بيت مع أخيه، وابن عم لهما، رحب بي، واعتذر لتعطل حاسوبه، فتحت حاسوبي الذي كنت أحضرته معي. ضحك وهو يقرأ سيرتي الذاتية بالعربية، قال: هذا نص أدبي، وليس سيرة ذاتية.

وصلنا بعد ست سنوات من القتل إلى تخوم الصفر الاستعماري ، نحن على بعد خطوات منه، بعد أن قدّمنا نصف مليون شهيد، وللأسف عندنا أكثر من استعمار: روسي ، وإيراني ، وذيول الدكتاتور ، وأذناب الكتائب الطائفية، والجيش الحر العشوائي بنيرانه الصديقة. جاء الاستعمار، والاستعمار الإيراني أسوأ من الاستعمار الروسي، نحن على وشك أن نضع أقدامنا على عتبة الصفر الاستعماري يا أخا الشتات ، لكنه استعمار مركب ومتعدد الرؤوس، وهذه مشكلة كبيرة. ومن أسف أن الاستعمار القديم الذي كان يهاب المساجد ودور العبادة، ويتجنب اقتحامها، قد دمّرت، ودمّرت معها المشافي والمدارس وتراجم الرجال. التاريخ يبكي مثل أبي يوسف: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ.

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • أحمد عمر , بشرى سارة للسوريين