ضبع

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من الضبع)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التصنيف العلمي
المملكة الحيوانات
الشعبة الحبليات
الصف الثدييات
الرتبة وحشيات
الفصيلة الضبعيات
الجنس المكروهيات
معلومات عامة
معدل العمر 65 - 75 سنة
معدل السرعة 2 متر في الساعة
معدل الطول 165 سم
العدد الإجمالي 328

كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، و سالف العصر و الأوان ، ليث أغلب ، نصب نفسه على الغابة سلطاناً ، و كان ديدنه إفتراس الغزلان و الحملان ، يعاونه في غزواته ضبع شرس لا يشبع من الفتك بالحيوان . و لأن الضبع كان يعرف أن سيده الليث تكفيه هو و لبوته و شبله في كل وجبة ثلاثة من الحملان أو الغزلان ، لذا فقد اعتاد الضبع قتل عشرة منها ، كي يصطفي لنفسه السبعة الباقية . ضجت الحملان و الغزلان من الفتك الذريع بهن ، فاشتكين عند الفيل . شمر الفيل عن خرطومه ، و توجه راعداً نحو عرين الضبع ، و استدعاه ، و قال له و هو يلوح بخرطومه

  • أسمع ، أيها الضبع النتن ، إياك إياك و أن تفتك مرة أخرى بأي حمل أو غزال ، و إلا طوحت بك في غياهب مستنقع الرمال المتحركة ، فتغرق هناك غير مأسوف عليك ، ثم تطوف جثتك فوق مياه المستنقع ، فتأكلها الأبوام و العقبان .
  • أرجوك يا معالي الفيل المبجل أن تتمالك أعصابك فكلنا شركاء في هذه الغابة . أنت تأكل النباتات ، فما شأن نيافتكم بالحملان و الغزلان ؟
  • أيها الجاهل ، كيف تسمح لنفسك أن تسألني مثل هذا السؤال ؟ ها ؟ ألا تعلم أنهن أخواتي بالرضاعة ؟
  • هممم . و لكن يا معالي الفيل المحترم أنّى لي أن أقلع عن افتراس الحملان و الغزلان ، و أنا لا أشبع من نهش لحومهن الطازجة ، و لا من قضم عظامهن الطرية ، و لا يسد جوع معدتي غيرهن ؟ هل تقبل أن أموت جوعاً ؟
  • هل جربت أكل أوراق الأشجار مثلي ؟
  • لا !
  • إذن ، آن لك الأوان كي تبدأ بتجربة إملاء فمك النتن بها ، و قضمها ؛ فهي لذيذة و مغذية و معطرة للفم ، و لا عظام و لا دماء فيها . ما رأيك ؟
  • و لكنني لا أحب أكل أوراق الأشجار ! و لا أستطيع تصور كيف أنها يمكن أن تشبع فيلاً ضخم الجثة مثلك . و لا يبدو لي أن مائة ورقة يمكن أن تساوي حتى نهشة واحدة من فخذ الغزال .
  • إذن تناول وجباتك في مطعم الماكدونالدز !
  • مطعم الماكدونالدز ؟ و لكن نسبة الكوليسترول فيه عالية ، و لحومه متورمة ، و مجدرة ، و مذبوحة على غير أحكام الشريعة . كما أنها تتسبب في عسر الهضم ! و لا تنسَ أنني حيوان مفلس ، لا يملك شروى نقير !
  • لماذا لا تشتغل في مهنة مفيدة غير الفتك بالدواب المسالمة ، فتكسب منها ما تحتاج من النقود ، و تشتري طعامك بعرق جبينك ؟
  • و لكنني يا معالي الفيل أمتهن أشرف وظيفة ؛ و إن كنت أستحرم من قبض النقود لقاء نتاج عرق جبيني ؛ و كل ذلك قربة إلى الرب تعالى .
  • و ما هي وظيفتك ؟
  • أنا الكاهن الأعظم للهيكل الحجري .
  • و أي نوع من الوظائف هذه ؟
  • إنها أشرف وظيفة ! إنني أتكفل بهداية العباد المذنبين الخطائين إلى درب الرب الصحيح القويم مجاناً و دون أي مقابل ؛ و لم أخيب يوماً رجاء كل ضبعة متقية في جميع أرجاء الغابة في تأمين الإتصال لها بالرب حسب الأصول ؛ فمراسيم هذا الطقس المبارك هي تخصصي الدقيق الذي لا يدانيني في ضبطه أحد .
  • الإتصال بالرب ؟ شيء عظيم ! و كيف تستطيع عمل ذلك ؟
  • أرجو أن تعفيني نيافة الفيل من البوح لك بالتفاصيل فذلك هو سر المهنة الدفين .
  • و لماذا لا تستطيع الضباع الإتصال بالرب إلا من خلالك ؟
  • لكوني الكاهن الأعظم لهيكل الإله .
  • و كيف أصبحت الكاهن الأعظم ؟
  • بالوراثة ، من المرحوم أبي .
  • و من هو أبوك ؟
  • كاهن الجهات الأربع ، قداسة الأب : شلنفص بن شلولو العرعوري .
  • شلنفص ؟ ألم يكن يشتغل قواداً يجلب الضبعات السوداوات للضباع الخضران الغريبة طوال الوقت ، و ذلك قبل أن تهرب بجلدها قبل سنين من هذه الغابة ؟
  • أنا أحتج ! و بشدة ! لقد كانت تلك وسيلة دستورية للإتصال بالرب !
  • و لكن أباك لم يبق و لا ضبعة واحدة في كل الغابة لم يمتع الخضران بمفاتنها ؛ و كان كل ذلك يجري داخل أسوار قلعة الهيكل . فكيف تقول أنه مقدس ؟
  • يا سيدي الفيل ، إتق الإله كي لا يمسخك خنزيراً أو قرداً حقيراً !
  • طز بك ، يا ... ما أسمك ، أيها الضبع ؟
  • جعرور العرعوري .
  • إسمع يا سيد جعرور : ما أنت إلا ضبع حقير .
  • كلا ، كلا ، يا سيدي . أتوسل إليك يا سيدي أن تصدق أقوالي . أنا ضبع ماجد ؛ و أنا الكاهن الأعظم لهيكل الإله المقدس ، و وظيفتي المحترمة هذه تدلل على كوني حيوان محترم ؛ و أنني على خلق و تقى ، و أخاف الرب ، و لا يفوتني أداء أي طقس من طقوسه المقدسة . و أن كنت لا تصدق أقوالي ، فاسأل عني الضباع ، و ستتأكد بنفسك كيف أنهم سيؤمنون جميعاً على أقوالي الصادقة هذه و بكل حق و حقيق .
  • و هل شغلك في الهيكل كله جنس و متعة ؟
  • كل ، كلا ! أنني أقيم الصلوات ، و أتلو الأدعية ، و أكتب الحروز ، و أقرأ الفأل ! هل تريدني أن أقرأ لك بختك ؟ أنت من برج العذراء ، أليس كذلك ؟
  • الدلو .
  • طيـ ..
  • إسمع يا سيد جعرور ، لا حاجة لي في انتظار ما سيحصل لي مستقبلاً ؛ كما أن وقتي ثمين ؛ و لست مستعداً لسماع ترهاتك ، البتة . أريد منك الآن وعداً باتاً بأنك لن تفترس أحداً من أخواتي بالرضاعة ، مفهوم ؟
  • مفـ مفهوم ، نيافة الفيل المبجل .
  • هل أعتبر هذا وعداً قاطعاً منك ، يا سيد جعرور ؟
  • بالتأكيد ، سيادتكم !

أعلن الضبع جعرور فجأة و على الملأ و من شاشات الفضائيات القطرية و السعودية و الإيرانية و الأمريكية توبته النصوح عن الفتك بالحملان و الغزلان ؛ و بالغ في إظهار آيات التبرؤ و الندم الشديد على أفعاله الشنيعة القديمة . كما راح يدعو الحملان و الغزلان يومياً إلى هيكله ، و يقدم لهن ألذ ولائم الحشيش و الورد ، و يبدي أقصى الإحترام و الإجلال لمقامهن . ليس هذا فقط ، بل و أستطاع هداية غالبيتهن إلى طريق الرب الصحيح القويم ، و راح يمنيهن بالمستقبل المشرق القادم لا محال ، و بالقناعة كنزاً لا يفنى ، و بالصبر مفتاحاً للفرج ، و بالآخرة الفاخرة بأنهار العسل و المن و السلوى ، و بالطاعة لأولي الأمر . كان كل ذلك يحصل أمام رؤوس الإشهاد ، و في وضح النهار . أما في غياهب الليل ، فقد كان ينسل خلسة من هيكله إلى أيكة الليث ، و ينتظر هناك لحين انغماس الليث في تبادل الغرام مع لبوته ، فيتقمم على الجيف التي يعافها الليث و اللبوة .

و بعد فترة وجيزة ، مات الليث ، سلطان الغابة ، لابتلاعه قرن جاموس . أجريت الانتخابات الفشفاشة في أرجاء الغابة كلها ، ففاز الضبع بغالبية الأصوات ، باعتباره صاحب القائمة الانتخابية المتقية المباركة ؛ و توّج حاكماً أوحد على الغابة . و أستمر يتقمم خلسة ليلاً على جيف اللبوة عندما ينزو عليها شبلها الشاب ، خوفاً من بطش الفيل و حالما تبوأ الضبع دسة الحكم ، حتى جاءته وفود المريدين من كل حدب وصوب ، و دبجوا له القصائد الفريدة ، و لحنوا المدائح لنضالاته المديدة ، و أرخوا لسيرته الدستورية الحميدة ، و أخلاقه القويمة الرشيدة ، و روائحه الزكية الوطيدة ؛ فصدق الضبع أنه قديس بكل حق و حقيق .

و كان من بين الوفود المبايعة شيخ عشيرة الثعالب ، الذي سأل الضبع عن سبب هزاله ، فقص عليه الحاكم جعرور قصة وعده القاطع للفيل بعدم الفتك بالحملان و الغزلان . لام الشيخ العجوز الضبع على ضعفه و تهاونه في وضع الأمور بنصابها القانوني السليم ، و طالبه بوضعٍ حد لتجاوز الفيل على الحقوق التي كفلها الدستور له باعتباره حاكم الغابة ، على سن و رمح . ثم ، عرض شيخ الثعالب أن يأخذوا هو و عشيرته على عاتقهم مهمة شد وثاق الفيل شداً محكماً لا انفكاك له منه ، و تركه على تلك الحالة ، فيموت من الجوع و العطش قضاءً و قدراً . و طلب الشيخ الماكر من الحاكم إصدار الأوامر المشددة لكل الحيوانات بعدم التدخل بشؤون قضاء الرب العادل المستقل بخصوص الفيل .

فرح الضبع بهذه الخطة الذكية الحكيمة ، و وعد شيخ الثعالب بجائزة له و لكل أفراد عشيرته إن هم أفلحوا في تنفيذها ، كما أصدر أوامره المشددة بعدم التدخل بشؤون قضاء و قدر الرب العادل المستقل بخصوص الفيل . في الليل ، إنسل الثعلب العجوز مع أفراد عشيرته إلى أيكة الفيل ، و طلبوا منه استضافتهم عنده . رحب الفيل بالضيوف أحر الترحيب ، و قدم لهم الورود هدايا ، فردوا عليه بهديتهم : نبيذ الكرز . فرح الفيل بهذه الهدية الفريدة ، و عب منها ما شاء ، حتى تعتعه السكر ، و نام . عندها ، شدَّ الضيوف وثاقه بأمراس الكتان شداً محكماً ، و انسلوا منسحبين تحت جنح الظلام .

في الصباح ، صحا الفيل المغلول من سكرته ، و راح يصرخ و يستغيث . تقاعست كل الحيوانات عن نجدته إمتثالاً للأوامر المشددة للحاكم العادل ، و سدت آذانها ؛ إلا بغل عنيد ، سمع الرعد الرهيب للفيل ، فخف لنجدته ، و فك أسره ، بعد جهد جهيد . ما أن استعاد الفيل حريته ، حتى قرر الرحيل نهائياً عن تلك الغابة الملعونة ، مرة ، و إلى الأبد . رجاه البغل التراجع عن قراره المؤلم هذا ، و هو يقول له : كيف يا معالي الفيل المحترم يمكن أن تقرر الرحيل عن هذه الغابة ؛ فتترك المقام في بلدك العزيز ، الذي ولدت و ترعرعت فيه ، و شربت من ماءه العذب ، و تنفست هواءه الطلق ؟ . ألا بئس المقام في بلد يتسنم الحكم فيه ضبع نتن حقير ؛ و يتولى الشدّ فيه ثعلب غادر سكير ؛ و لا يتكفل بالحل فيه إلا بغل عنيد غرير .