العلاقات السعودية المصرية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

العلاقات السعودية المصرية بالنسبة للسعودية مسألة حياة أو موت وهى معادلة صفرية ، ليس فيها توسط ، أى إما أن تكون مصر خاضعة للنفوذ السعودى أى أن تمتطى الأسرة السعودية الهرم المصرى الشامخ متزعمة العرب والعالم الاسلامى ، وإما أن تنتهى الأسرة السعودية وتنمحى دولتها سياسيا . فى هذه المعادلة الصفرية لا توجد حلول وسط طبيعية كأن توجد الدولة السعودية تابعة لمصر أو دولة عادية ،أو أن تكون العلاقة المصرية السعودية علاقة عادية كعلاقة مصر بغيرها من الدول العربية . هنا عوامل تاريخية واستراتيجية واقليمية ومحلية تجعل العلاقة المصرية السعودية لاتحتمل سوى وضع وحيد :إما أو إما ، إما أن توجد الدولة السعودية تمتطى الهرم المصرى وإما أن تفنى .

مصر أقدم دولة قائمة ومستمرة منذ سبعين قرنا من الزمان ، الولاء فيها للمكان والحكم فيها لفرعون يمثل الوطن أى المكان ، وطبيعتها مجتمع زراعى يقوم على الاستقرار والتعمير ، وتدينها الأصلى متسامح شأن التدين فى المجتمع الزراعى النهرى . السعودية هى أسرة تتحكم فى مساحة كبيرة من الصحراء الانتماء فيها للقبيلة والنسب ، وتعتمد فى بسط نفوذها على السيف وعلى دين سلفى متشدد . وبالسيف وبذلك الدين السنى السلفى المتشدد أقامت ملكها ثلاث مرات ، وسقط ملكها مرتين . مصر هى المؤثر الأول والحاضر فى سقوط أو فى بقاء هذه الدولة السعودية . قبل أن توجد دول العراق وسوريا ولبنان والأردن واسرائيل وقبل أن تتوارى وتسقط الدولة العثمانية كانت ولا تزال مصر .

فى البداية ظهرت إمارة آل سعود فى الدرعية فى نجد ، وتوسعت بوهابيتها التى منحتها سلطة تكفير الامارات الأخرى فى نجد وغيرها توطئة لاحتلالها وضمها لإملاك آل سعود. وصل الاحتلال والهجوم الى حدود تسيطر عليها الدولة العثمانية إسميا فى أقاليم العراق والخليج والحجاز . بعد أن احتل السعوديون الحجاز كان لا بد أن تتدخل مصر لأنها صاحبة النفوذ فى الحجاز ، وأسقطت مصر الامارة السعودية عام 1818 ، فاكتشف السعوديون حقيقة الهرم المصرى الذى اصطدموا به باحتلالهم الحجاز. ومن وقتها أدركوا أنه لا بد لهم من التغلغل فيه من الداخل ليسهل إمتطاؤه ومن ثمّ احتلال مكانة مصر فى العالمين العربى والاسلامى.

وضع الأسرة السعودية داخل الجزيرة العربية هو أيضا معادلة صفرية ، السعوديون أسرة وافدة لنجد ، ومنذ سيطرتهم على الدرعية كان يؤرقهم قلة عددهم مقارنة بالقبائل وتعدادها كأكثرية داخل وخارج الدرعية. ووجدوا فى دعوة ابن عبد الوهاب مبررا يتم به تجاوز عقدة النقص لديهم من العدد ومن أصلهم الغامض الوافد للمنطقة. بل أعطاهم دينهم الوهابى منذ تحالفهم مع ابن عبد الوهاب ذريعة للسيطرة على نجد نفسها ثم معظم الجزيرة العربية فى دولتهم الأولى . ولكنهم أضافوا وضعا أصعب زاد من حدّة وشدة المعادلة الصفرية ، فالأسرة السعودية منذ تكوين الدولة السعودية الأولى وسقوطها ثم إعادة تأسيسها ثم سقوطها الثانى ، ثم إعادة تأسيسها فيمابين ( 1902 : 1932 ) ـ قتلت ما يزيد عن مليونين من القبائل العربية الأصيلة داخل وخارج الجزيرة العربية ، كما أسقطوا عائلات عريقة حاكمة فى الجزيرة ، فأصبح عليهم ثأر تتوارثه الأجيال ، فليس سهلا نسيان أنهار الدماء وليس سهلا نسيان العروش المغتصبة، كما ليس سهلا فى مجتمع صحراوى يدين بالعصبية القبلية أن يتم تهميش وتقزيم القبائل القوية لصالح أسرة يقال إنها وافدة مجهولة النسب ، ثم يتم هذا التهميش والاستبعاد والقهر بالسيف وفرض دين مذهبى محلى (الوهابية) يخالف أديانا أخرى مذهبية وعريقة .

فى مقابل الهرم المصرى يوجد هرم سعودى ولكنه هرم مقلوب يبدأ من الأصغر الى الأكبر ، من نجد الى الحجاز ، ثم الى مصر ثم الى العالم العربى والاسلامى . وهذا الهرم المقلوب بطبيعته يخالف كل المتعارف عليه فى علوم السياسة والاستراتيجية . لذا فهو يعتمد فى بقائه على الدين الوهابى الذى يتمحك بالسنة ثم بالاسلام ليقيم الهرم السعودى المقلوب ، وبذلك يمكن تناسى الحقيقة الأساس : هل يصح فى عصرنا أن تتأسّس دولة السعودية على أسرة السعودية وتعطيها إسمها السعودية بل تصبح تلك الأسرة وتلك الدولة مقدسة لدى عوام المسلمين مع أنها تستعبد القبائل العربية الأصيلة المحكومة المقهورة وتستأثر دونهم بثرواتهم المعدنية والبترولية ؟ هذا لا يصح لأنه وإن كان مقبولا فى العصور الوسطى فليس مقبولا فى عصرنا . الوهابية هى التى جعلته مستساغا ومقبولا .هذا الهرم المقلوب الواقف على قدم واحدة يحمل فى داخله عوامل سقوطه وفنائه . يكفى إنه هرم مقلوب ، أى يمكن إمالته ثم إسقاطه بقليل من الضغط عليه

البدايات[عدل | عدل المصدر]

عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الراهنة والثالثة ، كان غاية فى الفقر والاحتياج فى بداية تاسيس دولته حتى إنه كان يتلقى معونة مالية من بريطانيا ، وكانت حروبه تستهلك ميزانيته ، ومع ذلك كان كريما فى إعطاء الأموال لعملائه فى مصر كى يؤسس الوهابية فيها ، وفى وصيته لأبنائه شدّد على أهمية السيطرة على مصر ضمانا لاستمرار دولته العائلية السعودية . ومن بداية سيطرته على الحجاز 1924 : 1925 عمل عبد العزيز على نشر الوهابية فى مصر بأقصى سرعة مدركا انه دخل فى صراع مع مصر لا بد من التحسب له مقدما . وفعلا حدثت إشتباكات بين الحرس المصرى لكسوة الكعبة المحمولة من مصر وجند عبد العزيز الذى كانوا يعتبرون مصر دارا للشرك ، وقتل الحرس المصري جند عبد العزيز ، وتناسى عبد العزيز الأمر مقابل منع كسوة الكعبة المصرية وتحكمه فى شعائر الحج مع كسب ود الحكم المصرى والتقرب اليه حتى لا يأخذ موقفا معاديا من انتشار الوهابية، والتى كانت ممقوتة وقتها فى مصر الى درجة إختيار دعاتها إسم السلفية بديلا عن الوهابية حتى لا ينفض عنهم المصريون .

إستغل دعاة الوهابية فترة الليبرالية التى كانت تعيشها مصر ( 1923 - 1952 ) فى نشر الوهابية باسم السّنة والسلفية ، فتحولت الجمعية الشرعية من تدينها الصوفى الى الوهابية ، واسّس الشيخ حامد الفقى (أنصار السّنة) وأسس مجلة الهدى النبوى بتبرع هائل من عبد العزيز آل سعود ، وأسّس الكاتب السورى محب الدين الخطيب دار الزهراء فى منطقة الروضة بالقاهرة ، وتزعمهم رشيد رضا الذى خان أستاذه محمد عبده وعمل خادما لعبد العزيز آل سعود، فأنشأ الشبان المسلمين ، وتفرّغ أولئك للدعوة الوهابية تحت إسم الّسنة والسلفية متظاهرين بالابتعاد عن العمل السياسى . ثم أسس رشيد رضا الاخوان المسلمون لتكون حركة سياسية تعمل لإقامة حكم وهابى فى مصر واختار لرئاستها تلميذه فى الشبان المسلمين الشاب حسن البنا. وخلال عشرين عاما ( 1928 - 1948 ) أسّس حسن البنا خمسين ألف شعبة للإخوان فى مصر ، وأنشأ التنظيم العالمى لإخوان ، والتنظيم السرى للاغتيالات ، وأشعل ثورة الميثاق فى اليمن وتغلغل فى الجيش المصرى بتحالفه مع تنظيم الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر .

عبد الناصر[عدل | عدل المصدر]

بنجاح انقلاب الجيش عام 1952 شبّ الصراع بين جمال عبد الناصر والاخوان المسلمون وتغلب عبد الناصر فهرب معظمهم الى السعودية . ودخلت الأسرة السعودية فى محنة الصدام مع مصر الناصرية . إعتنق عبد الناصر القومية العربية بديلا عن العقيدة الوهابية ، ووصل بتأثيره الى داخل الأسرة السعودية والمجتمع السعودى و الجيش السعودى فتكونت حركات ثورية داخل المملكة السعودية والجيش واعتنق بعض الأمراء فكر عبد الناصر بزعامة الأمير طلاّل بن سعود، وأشرفت المملكة على الانهيار خصوصا مع سفه الملك سعود بن عبد العزيز ، ولكن أعاد السعوديون تنظيم أمرهم بكفّ الملك سعود ثم عزله وتولى فيصل القيادة عام 1964 ، فأسس سياسته معتمدا على البترول والتحالف مع الغرب وأمريكا ضد عبد الناصر المتحالف مع السوفيت .

قام فيصل بتحديث المملكة مع عدم المساس بالوهابية بل كان التحديث لنشر الوهابية ، وفتحت له أمريكا والغرب أبوابها للسيطرة على المسلمين فى أمريكا والغرب ، وأنشأ رابطة العالم الاسلامى ومنظمات أخرى لمحاصرة عبد الناصر فى الخارج . ثم كان لفيصل دور فى إنهاك عبد الناصر فى حرب اليمن ثم فى جرّه الى هزيمة 67 ، وفيها مات عبد الناصر سياسيا ليتزعم فيصل السعودى العرب بدءا بمؤتمر الخرطوم صاحب اللاءات الثلاث ، ثم كانت الضربة الأخيرة فى إعداد خليفة لعبد الناصر فى حياة عبد الناصر ، وتم إختيار السادات الذى كان عميلا للسعودية يتلقى منهم مرتبا باعتباره سكرتيرا للمنظمة الاسلامية التى ترعاها السعودية منذ الخمسينيات ،وبها وطّد السادات علاقة خاصة بكمال أدهم مدير المخابرات السعودية ووكيل المخابرات الأمريكية فى المنطقة . وضغط فيصل على عبد الناصر حتى عيّن السادات نائبا له بحجة تسهيل امور التعاون بين البلدين بعيدا عن الأجنحة القومية والماركسية من مراكز القوى فى عصر عبد الناصر . وبتعيين السادات نائبا جاءت الخطوة التالية وهى اغتيال عبد الناصر ، وتم الاعداد للموضوع باشعال حرب بين المقاومة الفلسطينية والملك حسين بن طلال ، وفزع عبد الناصر خوفا من إستئصال المقاومة فدعا لعقد مؤتمر القمة ، فحقق هدف المتآمرين ليكون المؤتمر ستارا لإغتيال عبد الناصر . لذا غاب عنه فيصل العقل المدبر لاغتيال عبد الناصر . ومع أنتهاء المؤتمر وتوديع عبد الناصر لآخر مسئول عربى وهو أمير الكويت سقط ناصر ميتا بالسّم من شراب مسموم شربه على عجل ، وتولى السادات الحكم . ومن عهده الى الآن دخلت مصر فى التبعية الدينية والسياسية للسعودية .

السادات ومبارك[عدل | عدل المصدر]

لم يكن السادات لصّا مثل حسني مبارك . كانت عقدة السادات فى وجود شخصية الممثل داخله ، وولع هذا الممثل فيه بتصفيق الناس له . ولع السادات بالاعلام وإنتباه العالم دفعه الى تبنى سياسة الصدمات والقرارات الفجائية التى تجعل العالم كله يلتفت اليه. هذه السياسة الفجائية والصادمة كانت لا تناسب السعودية حليف السادات . فالأسرة السعودية حريصة على هرمها المقلوب من أى إهتزاز غير مطلوب . ولهذا تتمسك بسيارة الحذر والبطء ومسك العصا من الوسط حتى يظل الهرم المقلوب ثابتا لا يميل . وحتى يظل السادات خاضعا لهم تعامل معه السعوديون بالعطاء بالقطّارة مع كل ما كسبوه من دماء المصريين فى ارتفاع أسعار النفط . من هنا إندفع السادات فى تحول مفاجىء الى عقد الصلح مع اسرائيل واضعا السعودية فى حرج شديد ؛إما أن تختار السادات وتحولاته الفجائية وتكون تابعا له ،وإما أن تنحاز الى صدام حسين والراديكاليين وجبهة الصمود والتصدى . إختارت الانحياز الى صدام لتأمن شره وحتى لا تكون تابعة للسادات فى تقلباته وحتى تنجو من الحرب الاعلامية الشعواء التى تعرض لها السادات.

مع إحتمال بأن يتطرف السادات ويتخذ قرارا مفاجئا يهز به الهرم السعودى المقلوب ويعجل بسقوطه . وكان لا بد من إقناع ولى الأمر أمريكا بالتخلص من السادات ، وقد اصبح وقتها عبئا على السياسة الأمريكية بعد أن إستنفدوا منه كل ما يريدون . وإقتنع ولى الأمر الأمريكى بأن سير العرب فى طريق السلام مرتهن بغياب السادات حتى لا يعيّرهم بأنهم فى نهاية الأمر ساروا على طريقه . وبهذا تم إغتيال السادات ، وجاء حسني مبارك. وأسرع مبارك بكل حقارته يقدم فروض الطاعة والولاء للأسرة السعودية . كانت العلاقات مقطوعة بين السعودية ومصر فى بداية تولى مبارك . وقتها مات الملك خالد عام 1982 ، فذهب مبارك وهو رئيس لمصر يعزى فى وفاته بلا دعوة رسمية ، وفيها تعرض للتجاهل التام وعدم الاهتمام ولم يحتج ، فأيقن السعوديون أنه خادم قادم جاء يقدم لهم أوراق تعيينه . عاش مبارك خادما لهم ثلاثين عاما جعل فيها مصر ضيعة لهم ، حقق لهم مبارك ما كانوا به يحلمون فكانوا له أوفياء ..ولا يزالون .