عنصرية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من العنصرية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

العنصرية يمكن أن يتحول أي اختلاف بين شخصين على وجه الأرض، غير توأمين، إلى عنصرية، والحرب ذروة العنصرية ومحطتها الأخيرة، أما محطتها الأولى فهي التمييز الاجتماعي، والقانوني أشد أنواع التمييز. الهندوس يقتلون المسلمين في الشارع بالعصي والركلات غير الترجيحية، فالمسلمون في الهند يضعون القبعة البيضاء غالباً كهوية، فيصيرون أهدافاً، الضحايا ليسوا فرنجة وافدين، فالبيض سادة العصر، والهنود يجلّون البيض، القتلة والضحايا هنود من أصل واحد، والذين يقتلون الروهينغا هم بورميون، وكلاهما من أصل واحد، والذين يقتلون السوريين هم سوريون من عنصر واحد، لكن من مذهبين مختلفين. وكان قابيل وهابيل من جنسية واحدة، ومن قرية واحدة، هي كوكب الأرض، ومن أم واحدة وأب واحد، وكانا يؤمنان بإله واحد أحد، وكان الخلاف بينهما لا يكاد يرى بالعين المجردة، ولم يجعل النباتُ صاحبَ القربان النباتي أرقّ من الضحية ذي القربان الحيواني، على الضد مما تقول الدراسات وتزعم أن النباتيين أكثر سلاماً من أكلي اللحم وأقل عنفاً، وكم كذبتْ الدراسات فما تغني النذر، وكم كذبتْ معاهد التحليل والدراسات التي كانت تدرس لقلب الحقائق وتزويرها.

وفي النبوءات إنّ الحرب الأخيرة ستكون بين أبناء إسماعيل وأبناء إسحاق، وهما شقيقان كما قابيل وهابيل، وقد استعر الخلاف من جديد بين إسماعيل واسحاق، وكانت شخصيات سعودية معروفة من نسل إسماعيل- إلا إذا ثبت العكس- مثل المغامسي، قد أذكت جمرة ميتة، وهي أن الذبيح هو إسحاق وليس أبا العرب إسماعيل، تودداً إلى أبناء إسحاق، وكأن أبناء اسماعيل هم من الإخوان المسلمين!

يُظَنُّ أن عنصرية الجلد الثاني، عنصرية الزي، الذي ابتدعه الإنسان باتت في عصرنا أشد وأنكى من عنصرية الجلد الأول الموروث، وقد ساهمت العولمة في تذويب فوران اللون العرقي، وقوانين الدول المعاصرة بمعظمها تجرّم عنصرية اللون، وتحرص معظم وكالات الأنباء المرئية على تشكيل مذيعيها واختيارهم من ألوان مختلفة حرصاً على جذب المشاهدين المختلفين في الألوان والأعراق، وكذلك تفعل شركات الطيران والخدمات بعامة، وكانت فضائية الجزيرة أول فضائية - سوى الدينية- تبيح الزي الإسلامي عندما قبلت بارتداء خديجة بن قنة الحجاب، فتبعتها مذيعات وفضائيات أخرى، ويزعم هذا المقال أن عنصرية الكسوة هي من أشد العنصريات المعاصرة، وضحاياها مسلمون، وأحياناً سيخ، يشتبه الأوربيون العنصريون في أنهم مسلمون بسبب العمامة. عنصرية الكسوة فاشية في الأرض المباركة أيضاً، في بلد منشأ الحضارة ومنشأ الإنسان.

أبدى المفكر المصري عبد الوهاب المسيري غضبه الشديد من منع مصريين السير بزيهم القومي، وهو الجلابية المصرية في شوارع السفارات والأحياء الراقية، وهي شوارع بلادهم التي صاروا غرباء فيها، بل إن بعضهم كان يضرب فيها أو يطرد منها بسبب زيهم، وكان المسيري يرتدي جلابية صممها بنفسه. وتزعم حكاية تشبه الخرافة أن سبب عداوة الريف والمدينة أو العداوة الطائفية السورية هو الزي الريفي. تحظر دول خليجية على الوافد لبس الجلابية، وتنظّم دورين، دور للمواطن ودور للوافد، والوافد ليس بنازح، فهو أعلى رتبة.

وكانت حرب الطربوش والقبعة من المعارك الثقافية الكبرى بعد زوال الاحتلال الاستعماري وقد عادت في أزياء أخرى. كان هناك ثلاثة أرتال انتظار في سوريا أمام شباك الفرن؛ دور للرجال، ودور للنساء، ودور للعسكر، وهم رجال لكن بزيّ خاص، ولم يكن للأطفال من دور، فكانوا يدورون حيث دار الرجال، ويبقى جلد العسكر هو الجلد العنصري في بلاد الشام وأرض الكنانة، وهو جلد يجلب الهيبة والخوف. وتجرّم دولتان عربيتان- على الأقل، الاعتداء على العسكري حتى لو كان معتدياً. خصم العسكري خاسر قطعاً، والعسكري مستعبد في الجيش، قد يجد له فرجة في الانتقام من المدنيين إن سنحت له الفرصة. وينكر جمال حمدان في كتاب شخصية مصر وجود عنصرية لون في مصر، لكن عنصرية الرتبة الحكومية هي مناط العنصرية في مصر وما تزال.

عنصرية الجلد الثاني، هي تعبير عن عنصرية الفكرة، والفكر أشمل من الفكرة، والعقيدة أشمل من الاثنين، ولكل عقيدة زيها وكسوتها. وكانت وما تزال عنصرية الفكر والعقيدة هي العنصرية الأنكى، بدءاً من قابيل وهابيل، وكذلك كانت في المجتمع المكّي إبان الصدع بالبعثة، وفي أوروبا تعاني المسلمات المحجبات، اللاتي يُغضبن بزيهن الإسلامي الأوروبي مع أن قوانين البلاد تجيز حرية الكساء وحرية العري، سوى ما استحدث من قوانين في هولندا وفرنسا. المسلمة حالها أسوأ من المسلم، وقد جرفت الإسلاموفوبيا السيخي الذي يتحجب ويخفي شعره مثل المسلمة الملتزمة، ولهذا فزع النائب الهندي السيخي في البرلمان البريطاني تانمان جيت سينغ ديسي للمسلم، فهما سواء في الغرب. ووبخ بوريس جونسون وطالبه بالاعتذار عن وصف المسلمات المنقبات بصناديق البريد ولصوص البنوك، وتعرض عضو برلمان كندي سيخي إلى شتائم من كندي، فتجنب أن يبرئ نفسه من تهمة الإسلام، فالعنصرية هي العنصرية، وحظرت باريس السباحة بالبوركيني، وكانت مدينتا غرونوبل و"كان" قد سبقتا باريس في حظر الكسوة الإسلامية.

لا يمر أسبوع من غير قرار أوروبي بحظر الحجاب أو النقاب، وكانت شرطة هولندا قد أعلنت عجزها عن تغريم المنقّبات، بسبب صعوبة التطبيق. فالحجاب رفض جزئي للاندماج التام الذي تريد أوروبا فرضه على اللاجئين والوافدين، وأكثرهم من رعايا البلاد المستعمرة مثل الجزائر، فلا مكان لشجرة الزيتون في بلاد اللكزس بتعبير توماس فريدمان. وقد استعلنت عنصريات الطعام في الهند بإعلان ماكدونالدز الطعام الحلال، فأثارت غيرة الهنود الهندوس الذين قاطعوها، وتبقى عنصرية الفكرة، وعنصرية السياسة والعمل فيها، هي العنصرية العربية الرائدة، فالسلطات العربية تريد أن يبقى العمل في السياسة حكراً على طبقة أو على حزب أو على قبيلة، والمواطن الناجي هو الذي يقول: أنا مالي في السياسة أنا عايز آكل عيش.

عنصريات اللون غير فاشية في الدول العربية، التي تتفشى فيها عنصرية الزي العسكري، فأبطال العرب سود: عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، وبلال الحبشي، وأسامة بن زيد.. وقد انتشر خبر قناة الميادين اللوني العرقي عن عفو مقاتلي حزب الله "الفاضلين" عن الإسرائيليين الفلاشا، والذي قد يغري إسرائيل بإرسال السود إلى الصفوف الأولى، فيجعل كرم حزب الله الفلاشا السود أكثر الضحايا الإسرائيليين إن وقعت حرب حقيقية، وهو كرم لم نره في سوريا، فلا هدن لإخلاء الجرحى السوريين، وهم مدنيون، في حربهم الطويلة منذ ثماني سنوات، وليست كحرب الساعتين بالمفرقعات ورجال المانيكان.