النيل

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

نهر النيل أطول أنهار الكرة الأرضية , يبول فيه السودانيون في الخرطوم قبل ان يبول فيه المصريون , قال عنه المقريزي ، أن الأنهار الأربعة ، تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب التي من وراء البحر المظلم . وهي سيحون وجيجون والفرات والنيل ، وأن تلك الأرض من أرض الجنة ، وأن تلك القبة من زبرجد ، وأنها قبل أن تسلك إلى البحر المظلم ، أحلى من العسل وأطيب من الكافور". بينما يقول الممثلون في التلفاز "نحن نسكن على النيل" فيطلون من شرفات فاخرة على صفحة رمادية لانهائية الجمال والحدود , البسطاء يعرفون النيل منذ طفولتهم كهذا النهر الذي يبصرونه بسهولة إذا وقفوا على سطوح منازلهم , حشائش الهيش وبعض من حطام السفن ومعدية تعبر إلى البر الثاني و بضعة من خصلات الشعر المقصوص يلقون بها إليه لأن الشعر "حي" ولا يلقى في القمامة وإنما إلى النيل ليعود غزيرًا نضرًا في شعر صاحبته ، غير أن شعر المصريات لم يزدد إلا نحولا وشيبًا مع الزمن.

ربما العيب في سكان القاهرة ، لا علاقة لهم بالنيل ، هم يعرفون الأسفلت ، والنيل في القاهرة خط مخنوق مثل الهواء من حوله . تربينا على كتب للمطالعة تقول إن النيل إله عبده الفراعنة ، وأن الخليفة عمر بن الخطاب تحداه ندا لند ، وبالرغم من ذلك نمر به مرورًا عاديًا. عند الفراعنة كان الذي يلقى حتفه غريقًا في النيل يكفنوه بالأزهار، واليوم لم يعد المنتحرون حتى يضعونه كخيار لإنهاء حياتهم.

عرف النيل بمصر وعرفت به ، وترجع تسمية النيل بهذا الاسم نسبة إلى المصطلح اليوناني Neilos ، كما يطلق عليه في اليونانية أيضًا اسم Aigyptos ، وهي أحد أصول المصطلحات الأوروبية لاسم مصر (باللاتينية: Aegyptus) ، وحوله الفراعنة إلهًا واستمرت قدسيته حتى بعد الإسلام ، فحتى المثل الشائع أن من يشرب من نيل مصر لا بدّ وأن يعود إليها مرة أخرى ، سنجد صداه في كتابات أدباء المماليك ، حيث قيل إن بنهر النيل "أحجار براقة كالفضة تتلألأ ، تسمى ضحكة الباهت ، كل من نظرها ضحك والتصق بها حتى يموت ، ويسمى مغناطيس الناس".

لكن يبدو أن النيل قد فقد قدسيته كلها ، حتى وإن احتفظ ببعض من جماله في محافظات مصر البعيدة عن القاهرة . جميل لكنه غير مقدس ، ربما هزمه السد العالي ، كان النيل قبل تشييده إلهًا يخشى المصريون غضبه إذا شح أو أفاض عن المعقول ، ويرجون رضاءه ليفي بمنسوبه المحدد لري الأرض وإخصاب الزرع ، لقد جعل بناء السد , ذلك المشروع الطموح والهام لاقتصاد مصر وقت إنشائه , النيل آمنًا لا يضر ، حول الإله إلى آلة تنتج الكهرباء فيما بقى منسوبه ثابت ساكن ، لا رجاء في رضائه ولا خوف من غضبته .

ثم تصحوا مصر فجأة على قرار إثيوبيا ببناء سد ضخم لتوليد الكهرباء ، لكن هذا السد إذا بني سيضر بحصة مصر من الماء، وإذا تهدم ستغرق كل من مصر والسودان ، وكأن النيل يعود إلهًا من جديد . في مقبرة الملك سيتي الأول بجبانة طيبة ، دُونت قصة عن هلاك البشر ، أن الملك "رع" أبو الآلهة أغضبه من البشر جحودها نعمته ، وقرر إهلاكهم ، فطلب ابنته حتحور ، وكانت في بلاد النوبة ، وفي طريقها للعودة أبصرت النيل جافًا فحن قلبها إليه فبكت حتى فاض ، ثم صعدت السماء إلى أبيها ، وهناك غَيّر "رع" طبيعتها من البقرة الرؤوم رمز العطاء إلى لبؤة متعطشة للدماء حتى توافق على إهلاك البشر ، لكن بعض الآلهة أرادوا إنقاذ البشر فأوحوا إليهم بأن يطحنوا الشعير ويصنعوا منه جعة ويزودنها بمادة حمراء ليعطي المشروب شكل الدم ، وأن يجعلوا حتحور تشرب منه لتظن أنه دم البشر ، وحدث للبشر ذلك فسكرت حتحور وعادت إلى أبيها فعلم بالأمر ليعفوا عن الناس.

وفي تلك القصة تبدو الدلالة واضحة عن خير النيل الذي يأتي من النوبة /السودان/ أعلى مصر ، وفي مهادنة المصريين له حتى لا يثور عليهم فيهلكهم ، غير أن الواقع الحالي يوحي بدلائل أخرى أكثر وضوحًا ، فالخير الآتي من جنوب مصر بات مهددًا، وربما أصبح نهر النيل اليوم مخيفًا أكثر من أي يوم مضى، ولكن ماذا سيفعل المصريون تجاهه؟ لا شيء حتى الآن، فقط يمرون به إذا مروا، مرورًا عاديًا.

تفريط السيسي في هبة النيل[عدل | عدل المصدر]

بعد فشل المفاوضات الثلاثية بين السودان ومصر وإثيوبيا حول اقتسام مياه النيل، بسبب السد الضخم الذي تبنيه أديس أبابا «النهضة» الأكبر من نوعه في افريقيا. ستتأثر مصر بشكل لم يستوعبه الكثيرون، نظرا لضخامة الحدث جيوسياسيا على مستقبل البلاد، وتأثيره ليس فقط على مصر، بل دورها في الشرق الأوسط. ورغم التحدي الخطير، تبقى مصر مكتوفة الأيدي، ولا تستطيع القيام بأي عمل، ومنه العسكري للدفاع عن مصالحها، وبهذا قد تكون دخلت فصلا جديدا مقلقا من تاريخها في زمن يقود العسكر الحكم فيه.

يعد التحدي الإثيوبي أكبر منعطف خطير في تاريخ مصر منذ الحقبة الفرعونية حتى يومنا هذا، فذلك المثل الشهير الذي يقول مصر هبة النيل هو تجسيد لواقع تاريخي وجغرافي منذ القدم، ولكن الآن بدأت الأوضاع تتغير وبشكل كبير ولافت، وتصبح مصر رهينة إثيوبيا. تراجع نسبة مصر من المياه يحمل مؤشرات كارثية، إذ تعتمد مصر على 90% من مياه النيل، سواء للري أو الشرب، ومع ارتفاع عدد سكان البلاد بما يفوق مئة مليون نسمة، يشكل تراجع نسبة المياه معادلة شائكة تحمل كل المخاطر على الوطن المصري.

كانت مصر تدرك دائما خطورة قيام دولة من الدول المطلة على النيل ببناء سد ضخم يقلص حصتها من المياه، وسعت باستمرار الى إبطال مثل هذه المشاريع، ولكن في آخر المطاف وقعت الواقعة وجاءت من إثيوبيا التي ترغب في امتلاك سد على شاكلة السد العالي المصري، وقد يتكرر الأمر مع السودان، ودول أخرى ترغب في التنمية. ويقف النظام العسكري الحاكم بزعامة عبد الفتاح السيسي عاجزا. إذ يتزامن الحدث مع ظروف صعبة تمر فيها مصر، ومنها هشاشة الدولة بسبب غياب الديمقراطية، وإيقاف الربيع العربي. وفي الوقت ذاته، لا يمكن لمصر الاعتماد على التضامن العربي في غياب الوحدة العربية، ولن تنفعها المطالبة بوساطة دولية، مثل الرهان على الولايات المتحدة. وهددت مصر باللجوء الى الخيار العسكري، ويعني تدمير سد النهضة وإعادة تدفق المياه بشكل طبيعي. ورفعت مصر الشعار العسكري خلال مناسبات كثيرة، وعاد الآن بقوة الى الواجهة، حيث يردده الكثير من المثقفين والسياسيين، بل حتى العسكريين.

الواقع المر، أن مصر لا تمتلك القوة الكافية لتطبيق الخيار العسكري، فهو مستحيل في الوقت الراهن، ولا تشترك مصر في الحدود البرية مع إثيوبيا، وهذا سيمنع القوات المصرية من الوصول الى الأراضي الإثيوبية، لأن السودان لن تفتح أراضيها للجيش المصري، وحتى إن فتحت أراضيها، لا يملك الجيش المصري اللوجستيك الكافي لنقل عشرات الآلاف من الجنود. كما لا يمكن الاستهانة بالجيش الإثيوبي الكثير العدد والمنتشر في مجموع البلاد. ومن الصعب على الطيران المصري ضرب سد النهضة بسبب البعد الجغرافي الذي سيقلل من هامش المناورة لدى سلاح الجو المصري، والأخطر هو تجهيز إثيوبيا الدفاع الجوي لسد النهضة بمنظومة إسرائيلية متطورة، وهي سبايدر. وليتساءل النظام العسكري المصري لماذا في الوقت الذي كان يرفع السيسي من التنسيق مع إسرائيل كانت الأخيرة تزود إثيوبيا بالتقنية والسلاح لحماية سد النهضة؟

يفترض أن السيسي الذي كان مدير الاستخبارات العسكرية سابقا، يدرك بوجود المخطط الغربي الرامي إلى ضرب ثلاث دول في الشرق الأوسط، للمساهمة في تغيير الخريطة بطريقة هادئة وذكية. في هذا الصدد، جرى ضرب السودان عبر تقسيمه حتى لا تكون السلة الغذائية للعالم العربي، ويجري ضرب وحدة السعودية والعمل على تقسيمها، ووجدت في محمد بن سلمان خير عنصر لتنفيذ هذه الاستراتيجية. بينما يتلخص سيناريو مصر في تقليص مياه النيل حتى تسقط رهينة المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي ستترتب عنه، ووجدت في السيسي خير مساعد.

كان أمام السيسي والنظام العسكري الوقت الكافي للتحرك بذكاء، ابتداء من مصالحة وطنية شاملة، لتعزيز الصف الوطني لمواجهة كارثة ستحل بمصر والأجيال المقبلة، لاسيما في ظل تحول الماء إلى المادة التي قد تسبب الحروب مستقبلا. وكل ما فعل السيسي والنظام العسكري هو بناء مدينة جديدة والترويج للسيسي رئيسا فوق العادة، والتضخيم من ظاهرة الإرهاب في سيناء ومحاولة جعل المقاول محمد علي العدو رقم واحد للبلد. لقد حمل السيسي شعار الدفاع عن مصر، لكنه قام بتهيئة الظروف لتلقي مصر أكبر ضربة في تاريخها. والأمر يتجاوز السيسي الى مصر برمتها شعبا وحكومة، لقد فشلت مصر في حماية نفسها بعدم إدراك خطورة الوضع، وبسبب صمت الشعب على نظام فاشل.