أنا

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من انا)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أنا ضمير رفع منفصل , لو جلست بين حشد من العربان ، في مكان مغلق ، لتردد لفظ الـ (أنا) في مسمعيك ، مثلما تتردد الصرخات التي تموج في الوادي . المفارقة الكوميدية التي يصنعها رفيقنا الرجل العربي حينما يلفظ كلمة أنا ، بحكم العادة ، بمعدل ثلاث مرات في الدقيقة ، وفي كل مرة يشعر بأن لسانه قد زل ، فيستدرك قائلاً : وأعوذ بالله من كلمة أنا ، أو أنه يتصل بك مائة مرة لأجل أن يحصل منك على ميعاد للقاء ، فما إن تلتقيا وتجلسا معاً في مكان ما حتى يقول لك : أنا.. وأنا.. ثم يُقسم على ذلك بحياة من جمعكما من غير ميعاد .

المطرب الراحل فريد الأطرش الذي داعبه الأديب الساخر محمد الماغوط ، إذ أطلق عليه لقب ملك النواح والندب ، يستخدم الـ أنا بطريقته البكائية : أنا عمر بلا شباب ! ويجعل شقيقته أسمهان تستخدم الضمير نفسه بتواضع ، وبجلد للذات واضح في أغنية "أنا اللي أستاهل كل اللي يجرى لي" . وأما الهرم الرابع ، محمد عبد الوهاب ، الذي يشجيه الأنين، فيقول: أنا والعذاب وهواك عايش لبعضنا . ويعترف بالإخفاق والجري وراء السرب بقوله: "أنا من ضيع في الأوهام عمره".

ولكن، ليست هذه الطريقة هي المثلى لاستخدام ضمير الأنا، فأكثرية الناس يستخدمونه للتباهي ، وللتفاخر ، بل ولـ المنفخة كما في قول المتنبي:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسْمَعَتْ كلماتي مَن به صممُ
أنام ملءَ جفوني عن شواردها ويسهرُ الخلقُ جراها ويختصمُ

وقوله:

أنا تِرْبُ النَّدى ورَبُّ القوافي وسِمَامُ العِدَا وغيظُ الحسودِ
أنـا فـي أمة تداركهــــا الله غـريبٌ كـصالحٍ في ثـمودِ

التربة الأكثر صلاحية لاستخدام الأنا هي تربة الاستبداد ، ولا أدل على ذلك من هتفة فرعون مصر : أنا ربكم الأعلى . ولئن كان سحيم بن وثيل الحميري قد أضمر التفاخر بقومه ، حينما أنشد:

أنا ابنُ جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
وإن مكانَنا من حميريٍّ مكانُ الليثِ في وسط العرينِ

إلا أن الحجاج بن يوسف الثقفي استخدم عبارته ضمن منحى آخر ، مختلف , فحينما دخل الكوفة ، يحيط به جنده وحراسه ومرافقوه ، كان ، بالفعل ، يشبه الليث في وسط العرين ، وتشبه بالليث الغاضب عندما اعتلى المنبر ، وقال: أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود. أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني . ثم تراءت له رؤوس البشر التي أينعت وحان قطافها ، فقال: أنا صاحبها. أنا أرى الدماء بين العمائم واللحى .

روِيت حكايتان متشابهتان عن طبيبين ، أحدهما ينتمي إلى الحضارة الأوروبية ، والثاني ينتمي إلينا نحن العرب الميامين . أجرى الأول عملية جراحية معقدة لمريض ذي وضع خطير . بمعنى آخر ، كانت العملية تمثل مفترق طرق للمريض ، فإما أن يشفى أو يموت ، أو يصاب نخاعه الشوكي ويؤدي ذلك إلى إصابته بالشلل. نجح الطبيب بعمله . قال له واحد من ذوي المريض . شكراً لك أيها البارع ، لقد أنقذت حياة مريضنا. قال الطبيب، ببساطة: شكرا. الموقف نفسه جرى مع طبيبنا العربي . تلقى الشكر فقال: أنا؟ أعوذ بالله ، من أنا حتى أنقذه ، لقد أنقذه الله تعالى ، وما أنا إلا سبب لإنقاذه . هذا ما قاله على سبيل التواضع، وفيما بعد ، أمضى عمره وهو يقول : أنا أنقذت فلاناً. والله ، لولاي لمات وشبع موتاً .