جورج وسوف

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

جورج وسوف (1961) مطرب من سوريا تم خلقه في بيئة يُمدح فيها القمع وهو يحملُ جمالاً بين يديه ، ويحُقق عزلة الفن عن المجتمع ، كما تنعزل السلطة ذاتها عن المجتمع بأبسط الطرق حيث كان الفن الأقرب لمخيال الطبقة العسكرية الريفية الحاكمة .حيث كان المغنون في الملاهي والمطاعم ، هم فقط فنانو سوريا الأكثر غريزة والتصاقاً ومن السهل الوثوق فيهم وإعادة إنتاج السلطة فيهم. الطبقة العسكرية الريفية التي وصلت إلى دمشق، جلبت فنان الريف معها إلى المدينة وأودعته بين يدي طبقة التجار وزبائنهم.

كان الفنانون حسب أمزجة واختيار ضباط عائلة الأسد، رفعت الأسد خصوصاً. أما المُستثمر فكان التاجر المُسوق صاحب المطعم أو الملهى. فخلافاً للموجة التي راجت عالمياً بصناعة الفن على مشروطية القدرة على تسويقهم والربح منهم، صنع العسكر الفنانين حسب أمزجة قادة الضباط والمقربون من حافظ الأسد وأقربائه. من هنا كان مثلاً جورج وسوف، مطرب وفنان قوات سرايا الدفاع، سواء في دمشق أو أرياف سوريا عموماً، فحينما كانت مدافع النظام تضرب مدنية حماة المحاصرة، كان جورج يُطرب حاضريه من الضباط وغيرهم، بأشعارٍ مغناة ذات طابع مدائحي ريفي لحزب البعث وضباطه.

تحول القهر الوجداني الخلاصي العام في الأغنية الريفية، إلى زهوٍ مصطنع بقوة الضباط وسطوتهم. أدبيات الحب الريفية التقليدية مُزجت مع تيار من القصيد المقدس لحافظ الأسد بوصفه نبياً ومعشوقاً ودليلاً للحياة. كان جورج وسوف يواكب الحلقة الأولى من العزلة بين فن السلطة وسوريا عامة، ويستتبع جيلاً كاملاً أُمسِك من تنظيمات سرايا الدفاع، التي بات رفعت الأسد بطلها، وجورج وسوف مُغنيها. لقد غنى جورج وسوف أفضل أغنياته لضباط كانوا يفتكون في سوريا ويصنعونها في آنٍ واحد.

لم يخضع وسوف لإجراءات الأدلجة، كأن يوصف كفنان المقاومة مثلاً، وذلك لصغر سنه، وارتباط الشبان وجدانياً بأغانيه وميله هو لتطوير أغنيتهِ وفقاً لتطور شعبيته وخاصة في لبنان الذي صنعه وسوّق له وجعله سلعة ثرية عربياً. لبنان أنقذ جورج من مصير سيئ لفنانين سرايا الدفاع، وهو نفسه التصق سريعاً بالعائلة وشبانها ماهر وبشار الأسد .

لم يكتف جورج وسوف أبداً بوصفه شاباً نجح في التملص من يد السلطة، إلى أيدي المبدعين والمُسوقين الذين رفعوا شأنه، أو أن يبدو مغنياً كلاسيكياً محبوباً ونجماً ومبدعاً. كانت لجورج وسوف شخصية أخرى في سوريا ولبنان، بأن يبدو مزهواً وفخوراً بوصفه فنان السلطة ومتتبعاً لسلوك ضباطها، وفي ذات الوقت محمياً وكأنه مسؤول فيها. فبخلاف تواضع فؤاد غازي مثلاً، كان لجورج أن يبدو في الشارع أقرب لرفعت الأسد، مواكب سياراته، التي تُشبه سيارات أبناء السلطة الحاكمة. سلوكه العنفواني أمام أي كاميرا، مدى حريته في التلفظ والقول عما يدور في خُلده. هذا ما لم نستثن سلوكه الإدماني على المواد المُخدرة والذي يعرفه كل السوريون واللبنانيون والعرب. حالات الاختفاء المرضي بسبب إدمان الكوكايين، والتي لم تُلاحقه عليها السلطات في سوريا أو في لبنان، جعلت سلطان الطرب، ومعجزة الفن أشبه بشبيح أو مُهرب لا تطاله يد العدالة.

أي مثله مثل أبناء السلطة دونه القانون أو الحساب. وبعيداً عن إبداعه أو حتى الظلم الذي لحق فيه كونه لم يُكمل العشرين عاماً حتى أصبح نجماً. إلا أنه شكل لجيل كامل في سوريا مثالاً، لسلوك ممدوح لمدمن الكوكائين والحشيش. فلم يُشاهد أحد الوسوف معتقلاً، أو يخضع لمحاكمة أو تحقيق قانوني بما يخص امتلاكه لكميات من المواد المخدرة. وبدا الوسوف فنان السلطة والشعب في آن واحد. فالوسوف كغيره من نجوم سوريا يخضعون في وقتٍ ما لمهماتٍ يمارسونها لخدمة السلطة، أما ما يقدمونه للمجتمع لا يتجاوز أن يغنوا لهم بعد أن تحولت البلاد كلها لما يُشبه الملهى .

في عزلتنا الحالية يبحث السوريون عن الصوت في كلاسيكيات يُعاد غنائها، فرق حديثة خارج يد السلطة تغني تراثاً قد مات، لكن مسيرة الصوت الغنائي العام في سوريا في عزلته دوماً لا يبدو اجتماعياً أبداً. بل قهرياً، فلا موسيقى أو طبل، دون تمجيد لحسن نصر الله والأسد، كقيمة لوجود الفن أصلاً. الأقسى أن ضباط الملاهي والحروب هم من يملكون آذاناً فقط. لا غناء في سوريا لمجتمعها ولا موسيقا بالكاد يحلم فنانو سوريا بأن يسمح النظام لهم بالظهور عبر شاشته دون التملق له، والحلم يبقى أن يصلوا لبيروت لكن بعد أن تمسهم أيدي ضباط بشار الأسد