دكر

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الدكورة مصطلح مصري منبعها فكرة الدكر والتي تقال عادة للعاطل، الفاشل، الجاهل، لكن القادر في الوقت ذاته على فرض جهله على الجميع بمنطق القوة فقط. تصلح الدكورة كمصطلح معبّر عن سياسية حكم السيسي، فلا دراسات جدوى للمشاريع، ولا تراجع أو تفاوض، ولا محاولة للتعلم أو التغيير. بل فرض للعضلات ولسلطة السلاح. خلال سنوات حكمه أنتج إعلام السيسي عشرات الأعمال الفنية التي ترسخ لقيم الدكورة. وأصبح التمثل بالدكر الجاهل البلطجي هو عنوان النجاح المضمون. انتج إعلام مصر، الدكر محمد رمضان، والدكر المتقاعد أحمد السقا، وحتى الوسيم أحمد عز، ذهب إلى الجيم وأعاد خلق نفسه ليصبح دكراً مناسباً للقيم الجديدة. في هذا المناخ المليء بهرمونات التستورون، من الطبيعي أن نجد غلبة الفنانين الذكور على فيديوهات التأييد للدكر السيسي، بإستثناء الدكرة فيفي عبده.

افتتحت المؤسسة العسكرية المصرية سلاح الفنانين في الستينات. تولي شؤونه مدير المخابرات وقتها، صلاح نصر. وجرى، في ذلك العهد الذهبي للدكتاتورية المصرية، صك مصطلح القوة الناعمة. عملت المخابرات على السيطرة على الفنانين من خلال الابتزاز والتهديد والترهيب. لم يكن المطلوب فقط التصفيق والغناء على طريقة صلاح جاهين وعبد الحليم حافظ، بل طُلبت من البعض مهمات سريرية لصالح الأمن القومي، بعضهم لم يتقبل هذه القيادة/القوادة، فهربوا وتركوا مصر. مع مجيء السادات جرت حركة اصلاحية داخل سلاح الفنانين، وشهد السلاح تغيرات كثيرة حتى وصلنا لزمن حسني مبارك فاقتصر دورهم على التطبيل والغناء.

حينما اشتعلت مظاهرات 25 يناير، ظهر بعضهم بالأمر المباشر في التلفزيون، أحياناً بشخصهم، أو من خلال مداخلات هاتفية. كانت الأوامر وقتها أن يستغلوا مواهبهم الفنية للتأثير في المتظاهرين. شاهدنا أداء متميزاً لعشرات الفنانين، يتصلون بالمذيع ويبكون، ينشرون الخوف، ويرتفع صوت نحيبهم: "حرام عليكم يا مصريين تعملوا كدا في الريس مبارك". تنافسوا جميعاً في البكاء، من تامر حسني إلى أحمد بدير. حتى النجمات الفاضلات حاولن نشر الخوف والفزع: "أين الأمان؟".. أو كما قالت عفاف شعيب عبارتها الشهيرة "حفيدي مش عارف يطلب ريش وبيتزا".

في لحظة 25 يناير، تحرك الفنانون تحت قيادة سياسية تحاول ممارسة التأثير والتلاعب بالجماهير. ظهر الفنانون في 25 يناير ليخاطبوا الجمهور ويأثروا فيه.لكن مع السيسي تجاوزت مصر هذه اللحظة، وتجاوز الفنانون وسلاح الفن هذه الاستراتيجية. الاستراتيجية الجديدة لسلاح الفنانين هي سبّ وشتم الناس، في تصرفات هيستيرية، تعكس الرعب الذي يعانيه النظام، ومن أركانه بالطبع: سلاح الفنانين. منذ بدأت موجة فيديوهات محمد علي في سبتمبر 2019، بدأ الاضطراب في كل وسائل الإعلام، ومن ضمنها سلاح الفنانين. لم تصدر الأوامر، وكانت تقييمات الأجهزة ونصائحها، كما كشف السيسي نفسه، "ألا يتحدث في هذا الأمر". لكن السيسي خالف التعليمات وتحدّث. وفي حديث السيسي، لم ينكر اتهامات محمد علي، بل قال: نعم بنيت وسنبني ونبني، مصر تستحق المزيد من القصور، لا قصور محمد علي فقط.

استلهم سلاح الفنانين الاشارة من السيسي، الضابط المكلف بإدارة الفنانين، وصلته الرسالة ووضع الاستراتيجية. والتعليمات هي ألا نرد على أي اتهام من اتهامات محمد علي، بل يخرج الفنانون ليعلنوا تأييدهم ويسبوا الخونة. ظهرت فيديوهات الفنانين على موجتين، الموجة الأولى تشكلت من فيديوهات قصيرة لا تتجاوز الدقيقة. يظهر الفنان وهو جالس بالبيجاما في الانتريه، أو يقود سيارته مثل أحمد فلوكس، ويردد الرسالة مثلما وصلته من الضابط المسؤول: "احنا مع جيش بلدنا، احنا مع رئيس بلدنا، تحيا مصر، ويسقط الخونة والعملاء". أحدهم قرر أن يجود ويرتجل فأطلق "الأيفيه" الجديد "يسقط كل عملاء مصر". لكن على ما يبدو لم تؤدّ هذه الفيديوهات التأثير المطلوب. أولاً الرسالة باردة. فالفنانون لم يبذلوا اي مجهود حقيقي في الإبداع، أين الانفعال؟ أين البكاء؟ أين النحيب؟

من تلك الفيديوهات القصيرة، بسهولة ظهر في وجوه الفنانين الخوف والرعب.. والأهم الذل والمذلة. بعضهم حاول التملّص من التأييد الصريح، فلم يذكر في رسالته اسم السيسي بل تحدث عن حبّ مصر ولعن العملاء. بعضهم كان لديه طموح، وعرف أن مثل هذه الرسائل هي سبيله للعمل والظهور أكثر، وهو مستعد للقلع حتى آخر قطعة فينطلق في وصلات المديح. تهرّب بعض الفنانين، وآخرون سجلوا الرسالة ونشروها التزاماً بالتكليف. فقط ذوو الطموح، انطلقوا في التجويد والإبداع.

أحد هؤلاء كان نجم شاب منفوخ العضلات يحلم بأن يصبح النجم الدَّكَر مثل النجوم الذين ظهروا في زمن السيسي. سجل فيديو كاملاً، أكثر من ربع ساعة لا يمكن أن تفهم منه ما يريده بالضبط أو ما يقول، هو يوجه كلامه لمحمد علي لأنه يهاجم ويشتم بلده من الخارج ويتحداه إن كان دكر أن ينزل مصر ويثبت نفسه. محمد رمضان النجم المتربع على عرش الدكورة، شعر بالتهديد على ما يبدو، فسجل هو الآخر فيديو في حب مصر وجيش مصر وسيسي مصر ويخاطب جمهوره بعدم الاستماع للحرامية والعملاء قائلاً: "انظروا إلي، أنا اهوه قصة نجاح شريفة".

رد الفعل كان سريعاً. فتحت هذا الفيديو، توالت التعليقات التى تسب وتنتقد محمد، النجم ‏الأول الأكثر نجاحاً وحباً، تحول الجمهور الذي رفعه ودافع عنه، ليهاجمه. لكن ‏هذا كله لا يهم محمد رمضان، فهو يغنى ويصور هذه الفيديوهات لشخص واحد، هو ‏الضابط المكلف بتوجيهه ورعايته. لكن الموج عالٍ. فأغنية محمد رمضان ‏‏"هما عايزينها فوضي" [1]، والتى يمكن اعتبارها معالجة رديئة لبروباغندا أحمد موسى، ‏انهار عليها سيل الشتائم والانتقاد لرمضان، حتى أنه وللمرة الأولى اضطر لإغلاق ‏التعليقات على الفيديو.‏ وسواء في فيديوهات رمضان او فلوكس وغيرهم من الفنانين فالدكورة هى العنصر ‏الغالب. والدكورة ليست كالذكورة التي نعرفها من الأدبيات النسوية.‏

فرسائل الفنانين المصريين ، ليس الغرض منها ابتزاز مشاعر الناس والتأثير فيهم، فهم حتى لا يرون الجمهور. هذا الجيل من الفنانين نشأ في فقاعة الفن في عصر السيسي، حيث يمثلون لشخص واحد، هو الرئيس السيسي ومستنسخاته في الأجهزة الأمنية. الغرض من الفيديوهات التي سجلوها الحصول على رضا الضابط الذي اتصل بهم واعطاهم التكليف، وهم يتقمصون شخصية ذلك الضابط في الفيديوهات، فيهددون ويتحدون الخونة والعملاء.. في معزوفة تمثل قمة الفشل لسلاح الفنانين. لذا حينما أتى التكليف لراقصتنا الحبوبة، فيفي عبده، لم تكن التعليمات "عايزين توعي الناس" ولكن كانت أن الراجل (الرئيس) زعلان، عاجبك اللي العملا والخونة عاملينه دا يا فيفي .

لأجل ذلك خرجت فيفي عبده، بوَصلة من ردح العوالم الكلاسيكي، والمسكينة لا تعرف من تهاجم أو تسب [2]، فهي في كوكب "الخمسة أمواه" منفصلة عن العالم، حتى أن نصف وصلتها خصصتها للراجل أبو نضارة، والذي بعد جهد عرفنا انه البرادعي. رغم أن الراجل متقاعد في الريف النمساوي، يمارس التأمل الكونفشيوسي بعيداً من كل هذه الضوضاء. الجميع ضحك على فيديوهات الفنانين ، لأن حالة الهياج والاضطراب التي يظهرون فيها تعكس حالة الاضطراب الذي يعيشه النظام كله.

لكنننا بصراحة لم نضحك، ففي عيونهم رأينا الذل والخوف. حتى فيفي كانت خائفة، هؤلاء البشر تعرضوا مثل كل المصريين للاذلال المتعمد. حتى أن بعضهم، ولكي يتخفف من إحساس الوضاعة أحياناً، تخيل نفسه شريكاً وتحدث عن ضباط الأمن والمخابرات الذين يقودوهم بصفتهم أصدقاء له أو بصفته يعمل معهم. حالة تماهٍ تقليدية مع المستبد، جعلتهم يفقدون اتصالهم مع الواقع ويعجزون عن استخدام مهاراتهم الفنية في البكاء أو التأثير في الجمهور، بل راحوا يسبّون ويشتمون. بعضهم استوعب درس 25 يناير، فالقفا الذي أخذه تامر حسني في ميدان التحرير، والشلوط الذي أخذه أحمد السقا، جعلهم متوارين عن الأنظار، يحاولون التخفّي من الضابط الذي يطاردهم بالتأكيد، في انتظار أن يقفشهم ويسجل لهم فيديو: "بنحبك يا ريس ويسقط العملاء".