السريانية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من سريانية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

اللغة السريانية «الآرامية»، وهي إحدى اللغات السامية ، كالعربية ، لذا فهي تشترك معها في الأبجدية، كما أنها اللغة التي تحدث بها إبراهيم وعيسى وهي اللغة القادرة على حل بعض من ألغاز القرآن التي استعصت على المفسرين، والتي ربما كانت واضحة للمنتمين للعصر الذي نزل فيه القرآن، ثم قام الزمن بتشويش الأذهان والمفاهيم . المؤكد أن أبرز الألغاز القرآنية التي استفزت عقل كل متدبر كان الحروف المقطعة التي تبدأ بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن، مثل الم و الر و كهيعص وغيرها، والتي تضاربت الآراء حولها بشكل كبير، فمن العلماء من قال إن هذه الحروف أسرار إلهية في القرآن انفرد الله بعلمها، فلا يجوز لأحد منا الخوض أو التفكير فيها، وهناك منهم من عارض هذا الاتجاه، وقالوا إن علينا التدبر في هذه الأحرف، وهؤلاء خرجوا بعدة نظريات نذكر بعضها سريعًا:

  • هذه الحروف هي أسماء للسور التي افتتحت بها.
  • هي أسماء لله وذكرها الله ليقسم بها.
  • كل حرف يمثل اسمًا من أسماء الله ، فعلى سبيل المثال الم هي تمثل الله و لطيف و مجيد .
  • ذهبت مجموعة أخرى إلى أبعد من هذا ؛ فقالوا إن هذه الحروف ، إذا جمعت مع ترك المكرر منها، فسوف تحتوي على الحروف ا ح ر س ص ط ع ق ك ل م ن ه ي ، وبإعادة ترتيب هذه الحروف نستطيع الحصول على جملة نص حكيم له سر قاطع، وهذا من إعجاز القرآن.

لكن هناك اتجاهًا آخر غير تقليدي يرى أن المعنى الحقيقي لهذه الحروف نجده في اللغة السريانية

  • الم تعني بالسريانية صمتًا ، لذا فوجودها في بداية السورة تعني أن ما سيأتي بعدها تنبيهات بحاجة إلى التركيز والإنصات، ويمكننا رؤية هذا في بداية سورة البقرة:
الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5).
  • الر تعني بالسريانية تبصّر أو تأمّل ، ونجدها في سور مثل سورة يوسف التي تبدأ بـ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ، أي ما يأتي بعد الر هي آيات بحاجة إلى تبصر وتأمل.
  • كهيعص ، وهي بالسريانية تعني هكذا يعظ وقد ذكرت في بداية سورة مريم، وجاء بعدها «ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا» إلى آخر القصة، فالسياق منطقي هنا أن الله يعظنا بقصة زكريا، أو أنه يعظ زكريا نفسه في قصته.
  • طه وهي بالسريانية تعني يا رجل ، أي أنها وسيلة نداء ، وقد ذكرت بالطبع في مقدمة سورة طه ، وجاء بعدها خطابًا مباشرًا للرسول ، وربما كان هذا الترتيب هو سبب اعتقاد الكثيرين من علماء الدين أن طه هو أحد أسماء الرسول، بينما هي لفظة نداء ، لا أكثر ، وهذا المعنى بالمناسبة قد أقره الطبري في تفسيره.

من هنا نجد أن هناك تفسيرًا منطقيًا للحروف المقطعة، إذا سلمنا أنها ألفاظ سريانية، وليست عربية، وهذا بالتأكيد يتوافق مع حقيقة أن الكثير من ألفاظ القرآن ليس عربيًا، فلا يخفى على العلماء مثلًا أن كلمة أباريق فارسية الأصل ، و سندس هندية ، والعديد من الأمثلة الأخرى المشابهة.

الأثر السرياني[عدل | عدل المصدر]

العجيب هنا هو أننا لا نسمع مثل هذه التفسيرات المنطقية من علمائنا الكرام، وربما يعود هذا إلى جهلهم باللغة السريانية أو إهمالهم لها، أو ربما لخشية أن يفتح هذا بابًا أمام المشككين في عروبية القرآن ، وبالتالي في فهمنا الحالي له؛ لأن هؤلاء يقولون إن لغة القرآن الأساسية هي السريانية ، ثم قام العرب بالتلاعب فيه ليقوموا بتعريبه، بالإضافة إلى أنهم غيروا معانيه ، بعد أن أضافوا إلى النص السرياني النقاط ، وعلامات التشكيل النحوي والمد ، هم حتى ، يذهبون إلى أبعد من هذاح فيقولون إن العرب دسوا الآيات الدالة على عربية القرآن ، مثل «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (يوسف:2) و«وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَمِيٌّ وَهـذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبينٌ” (النحل:103)، وكل هذا حتى يرفعوا من شأن العربية، ويقضوا على التأثير السرياني فيها.

من هؤلاء المشككين الدكتور الألماني كريستوف لوكسنبرج أستاذ اللغات السامية القديمة، والذي نشر كتابًا سنة 2000 بعنوان «قراءة سريانية – آرامية للقرآن»، ومنهم أيضًا الدكتور غبريال صوما اللبناني الأصل، والمتخصص كذلك في اللغات السامية، والذي كتب كتابًا سنة 2006 عنوانه «القرآن الذي أسيء تفسيره وترجمته وقراءته». أدلة لوكسنبرغ وصوما وغيرهما من السهل جدًا الرد عليها، مثلًا هم يقولون إن هناك العديد من الكلمات ذات الأصل السرياني في القرآن، ولكننا كما قلنا سابقًا فالقرآن يحتوي على العديد من الكلمات ذات الأصول اللغوية الأخرى، وحتى لو كانت الكلمات السريانية أكثر اللغات الأخرى مساهمة في ألفاظ القرآن، فأن هذا يدعونا إذن إلى القول بأن شكسبير كان يكتب بالعربية نظرًا لأن الإنجليزية بها حوالي 24 ألف كلمة ذات أصل عربي، وهذا شيء غير معقول .

أيضًا دليلهم القائل بأن الخط السرياني هو المستخدم في كتابة القرآن، لذا فالقرآن سرياني يفيض سخفًا، فحتى لو سلمنا بأن العربية كانت مجرد لغة منطوقة تفتقر الخط، وأنها استفادت من الخط السرياني في التدوين، فهذا ليس دليلًا على الإطلاق أن لغة القرآن نفسها سريانية؛ لأن اللغة في الأساس هي نطق، وليست خطًا، وإلا لكانت اللغات اللاتينية جميعها هي لغة واحدة.

وعندما يواجهون بسؤال: ولماذا ينزل القرآن بالسريانية على قوم يتحدثون العربية ؟ يجيبون بأن اللغة السائدة في شبه الجزيرة العربية كانت مزيجًا من العربية والسريانية ؛ ودليلهم أننا نجد الأثر السرياني في أسماء مدن شبه الجزيرة، مثل مكة ، والتي تعني بالسريانية الأرض المنخفضة و يثرب التي تعني الله موجود ، يستدلون أيضًا بأسماء الأشخاص ذات الأصل السرياني ، مثل مروان التي تعني «الشخص الذي يسبب الطغيان»، و حسين التي تعني «قوي”»، وغيرها من الأمثلة، ولكن متى كان أصل أسماء الأماكن والأشخاص دليلًا على اللغة السائدة ؟ فمن الجائز جدًا أن تكون هذه التسميات بدأت في زمن كانت فيه اللغة سائدة ، ثم استبدلت هذه اللغة بغيرها، ولكن بقيت الأسماء، وهذا ليس بغريب على الإطلاق. قد لا يوافق البعض على هذه الإجابة التي توحي بأن العربية، ليست أقدم من السريانية، وتتعارض مع الآراء الكلاسيكية القائلة بأن العربية هي أقدم اللغات على الإطلاق، وأنها كانت لغة آدم، ولكن علينا الاعتراف أن هذا الرأي لا يوجد دليل قوي عليه، وأن الجدل مازال قائمًا حول ما إذا كانت العربية أقدم من السريانية أم العكس .

مما سبق تتضح عبثية الطرح القائل بأن القرآن سرياني الأصل، وأن علينا أن نعيد النظر في تفسيرنا له ككل، ولكن على الجانب الآخر فإن التفاسير المنطقية لبعض ألغاز القرآن، والتي أوصلتنا إليها السريانية تدعونا ألا نهمل هذه اللغة، عندما نقرأ قرآننا، بل علينا أن ندفع إلى تعلمها، ثم نعيد زيارة الأجزاء التي استعصت على فهمنا في القرآن ؛ علنا نجد الإجابات الشافية.