عروبة

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

العروبة مصطلح تم وأده بدون الصلاة عليه ، من مهده في قريش ، مروراً بحقبة شبابه في القاهرة و بغداد و دمشق و بيروت ، وصولاً إلى لحده في إسطنبول . لم تعد لمصطلح العروبة وزن في الحياة العربية ، بعد أن فقدت وهجها، وأضحت عبئاً أكثر من كونها رافعة للشعوب المبعثرة على بضع وعشرين جثة جغرافية ، ممتدة من المحيط إلى الخليج . أما الأنكى ، وهذا بيت القصيد ، اننا ما عدنا نعتب على تململ الأقليات التي تعيش في أكناف العروبة ، ولا نقاوم رغبتها في انتزاع شخصياتها القومية والفكرية واللغوية والجغرافية ، إذا شاءت من نفق العروبة المظلم . نعم ، يحق لتلك الأقليات أن تنسحب من زبد الأكثريات التي تتداعى على نفسها ، قبل أن تتداعى عليها الأمم من كل الجهات ، وأن تطالب بحقها في النجاة بقومياتها من قومية عربية لم تعد قادرة على حمايتها، كما حدث مع مسيحيي الموصل ، وأيزيديي سنجار .

من حق تلك الأقليات أن تطالب باستقلالها ، بعد أن ارتضت العروبة لنفسها أن تتمزق إلى عشرات الأقطار التي تعجز عن حماية حدودها بغير كعوب المارينز وسفنهم وطائراتهم ، و ما حدا أحسن من حدا . ويحق لتلك الأقليات النجاة بعقولها من عقول مثقلة بإرث غامض من الهلوسة والشعوذة وتقديس القائد والزعيم . عقول تأبى أن تدخل ما بعد الحداثة بغير السيف والبعير ، ومن حقها النجاة بفضائها الذاتي من أقبية القمع والمعتقلات التي لم يفلح زعماء العروبة ببناء أي صرح سواها، بذريعة حماية القومية من الأعداء ، من دون أن يقدموا تفسيراً واحداً لمصطلح الأعداء الذين لم يكونوا، في الواقع، غير أرتال شعوبهم التي أدمنت القهر والاستبداد، إلى حد جعلها ترى في السوط قريناً للحكم الصالح ، وفي رغيف الخبز المتدحرج أقصى نافذة للحرية المشتهاة.

ما أقلّنا، نحن العرب ، بكثرتنا في هذا الزمن ، وما أكثر الأقليات بقلّتها وهي تكافح للخلاص من حقب الرعب والخوف التي أخضعناها لها، وحين أزف أوان الجد سحبنا بساطنا العربي من تحت أقدامها، وتركناها في العراء، تفرّ من رعب أشد وأبلى ، على يد داعش وأخواتها . لا أدري لماذا أخلص أحياناً إلى أن هذه الأمة لا يمكن أن يجمعها شيء البتّة ، وأن بذور الفتنة والفرقة تولد معها ، ولا تموت معها، وإن حدث وجمعها فكر أو دين معين ، فإنها سرعان ما تستدعي كل مخزونها التفتيتي والتجزيئي، لتمزق هذا الفكر والدين إلى أشلاء تتلاءم وحجم فتاتها نفسه ، كما حدث مع الإسلام الذي تفرق إلى مذاهب وشيع أكثر من أن تعد أو تحصى ، ولكل مذهب، بالطبع ، فعله الذي يسبق قوله ، متمثلاً بحوار الرصاص فقط. وفي المحصلة، غدت عوامل وحدتنا هي نفسها عناصر فرقتنا ، من لغة ودين وجغرافيا وتاريخ وهوية. غفر الله للمرحوم المغفور له مستر عروبة .