كابوس

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

رأيت فيما يرى النائم أني استيقظت ووجدت نفسي في أرض لا تشبه وطني وأن أبناء جلدتي يغسلون عجلات السيارات على أعتاب المقاهي الراقية التي نشأت على أنقاض منازل أجدادنا الأولين. رأيت مجتمعي مشطراً طبقياً بشكل فاحش ؛ تطغى عليه فئة تجار في تصنيفها؛ فهي ذات دخل يبدو مجزياً، ولكنها تعيش تحت عبودية الدين مسكونةً بخوف لا يبارحها من الغد. في منامي المفزع ذاك لم يكن أحداً يناديني باسمي، فكل من في المدينة كانوا بلا أسماء، فعلي جبين كل منا كان هناك وشم يشير لطوائفنا وعرقنا والفصيل الذي ننتمي إليه؛ وتلك كانت هويتنا التي يتم التعامل معنا على أساسها. وكل مشاكلنا وكلماتنا ودعواتنا كانت تؤول طائفياً . ولم يكن المنطق والعدل والإنصاف هو ما يرسم مواقفنا من القضايا والملمات بقدر ما تحددها لنا هوية الأشخاص المتورطين فيها؛ الهوية الموشومة على جباههم.

في كابوسي تحولت دور العبادة في وطني لمعامل لصنع الألغام البشرية , مهمتها التعبئة والتجييش والتحريض وأنجح رجال الدين غدوا في كابوس أمضاهم كلمة في إثارة النزعات والأحقاد , يخرج المرء من المسجد معبأ بالضغينة عوضاً عن السكينة. تغيرت طباع الناس لذلك تباعاً فصاروا يشبرون الطرقات مبتسمين وهم يحملون خلف ظهورهم سكيناً؛ تأهباً لطعن الآخر.في المنام كانت هناك قوافل من الدخلاء تستوطن مضاربنا؛ منهم السمين ويغلب عليهم الغث . كانوا يقرضون في خير بلادي تاركين الفتات لي ولأهلي الطيبين , اخترقوا صفوفنا وأججوا بيننا الشرور عبر سمومهم التي ينفثونها في التجمعات وفق خطط ممنهجة.

رأيت مناطق ممتدة من بلادي تعيش على الدخان الأسود , كان الهواء يحمل لنا المرض والوجع.. ولكن أحدا لم يكن يدافع عن حقنا في هواء نقي؛ فالمعنيون عن الدفاع عن الطبيعة اعتزلوا الفن سيما بعد أن تم طيُهم تحت الجناح برواتب شهرية لا يقابلها عمل حقيقي .في ذلك المنام رأيت شباب وطني يمشون في الطرقات مكبلين من رؤوسهم بسلاسل من حديد وقد زرعت في أدمغتهم شريحة صغيرة تسمح بالتحكم بهم عن بعد.. من خلال لوحة التحكم تلك يُقال لهم بمَ يفكرون وماذا يشعرون وماذا يحرقون ومن يحبون ومن هم من يكرهون. شباب مثل الورد؛ في عمر البراعم؛ ولكنهم تحولوا لخيول مروضة يحركها سائسها كيفما شاء

حلمت أن بلدي.. بلدي أنا.. صارت مخمرة كبيرة؛ يقصدها الأغراب للمتع الرخيصة.. ورأيت فتيات قصراً يعملون في بيع الجسد دون أن تغلي الدماء في عروق أحد.. وكانت قضايا الوطن معروضة للبيع بالكيلو والرطل والغرام.. وكانت ضمائر الأعلام مباعة بأزهد الأثمان.. كانت الفوضى تعم كل شيء وبدا لي ان الناس استوحشت وضاع رشدها وتشابهت الأيام .

حلمت أني غريبة في وطني.. واستيقظت من أسوأ كوابيسي سعيدة بأن النهار قد شع ولكني .. خشيت أن أنظر من النافذة .

مصدر[عدل | عدل المصدر]