ما بعد الحداثة

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
(بالتحويل من مابعد الحداثة)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ما بعد الحداثة : (بالإنجليزية:Postmodernism) مصطلح يحتمي خلفه العديد من الأدباء لتبرير غموض نصوصهم وأحيانا غياب المضامين منها. أصبح إصطلاح ما بعد الحداثة تقليعة نعلق عليها كل غسيلنا الوسخ ، كل عاهاتنا الإبداعية وكل أزمتنا الأدبية . اعمال ما بعد الحداثة العربية تفتقد للخطاب الأدبي البسيط المشروط في العمل الإبداعي ، وتحوله الى مجرد نصوص تهوم بلا هوية مميزة، مضطربة المعاني، مفككة الصياغة ومليئة، وهذا الأساس ، بالإفلاس الأدبي غير المعلن . التهافت لوصف كل نصوصنا الفاشلة بـ ما بعد الحداثة لا يضر الحداثة و ما بعد الحداثة بشيء، انما يبرز عقم التفكير لدى البعض ، والضياع داخل الاصطلاحات التي لم تنشا أصلا في ثقافتنا ، انما استنسخناها من الحضارة الأوروبية بالأساس .

كثيرا ما نقرأ مراجعات نقدية لنصوص تافهة ، يحاول الناقد ان يقنعنا بانها عمل ابداعي مميز . فقد تقرأ خراء ثقافي لشاعرة ولا تنجح في إيجاد مقطع شعري واحد يلفت الانتباه، ولاتجد أيضا ضرورة للاحتفاظ بالكتاب في مكتبتك ، لكنك تتفاجأ بناقد يحمل شهادة الدكتوراة ، لم يستح ان يجعل من الديوان مفخرة شعرية . كيف نتعامل مع الحداثة او ما بعد الحداثة ؟ التي ربما لم يسمع بها ناقدنا , هل يجوز لمجتمع لم يبلغ بعد الحداثة ، ولم يستوعبها ، ان يبدا بالحديث عما بعد الحداثة ؟ الا يعبر عدم فهمنا للحداثة عن وضعية فكرية ؟ الا يعتبر الالتصاق بهذا التعبير ضربا من التهريج ، خاصة حين نشبه بالحداثة كل ما هو تافه ، غامض ومشوه ؟

يمر العقل البشري بعدة مراحل في تطوره. تمتد من المرحلة الغيبية - الخرافية، الى مرحلة الاحتكام للعلوم والمنطق . بينهما تنشأ عشرات المراحل في تشابك من الصعب فكه، مع ذلك كل مرحلة هي حديثة نسبيا ، بالمقارنة مع سابقتها، وما زالت المجتمعات النامية ، بل وبعض المجتمعات المتطورة ، تعاني نسبيا بصورة اقل ، من فكر خرافي غيبي . يبدو ان لتطور العلوم مساره المستقل، الذي لا يؤثر تأثيرا شاملا ومباشرا على المثقفين وذوي القدرة على استعمال عقولهم بموضوعية . هذه حالة منتشرة ومتجذرة خاصة في المجتمعات البدائية، للأسف معظم المجتمعات العربية لم تتجاوز هذه المرحلة. اذن كيف نتحدث عن خطاب الحداثة او ما بعد الحداثة، ونحن لم نتخلص بعد من القديم البائد ؟ كذلك نستصعب فهم الحداثة في مجتمع تغلب عليه العقلية اللاهوتية التي تنتمي الى الماضي. ان الخطاب العلمي الحديث في مجتمعاتنا لا يجرؤ حتى على توجيه النقد العلني ، ومشكلته انه فكر مقموع يدافع عن شرعية وجوده وحقه في احتلال مكانته.

نحن كمجتمع ما زلنا نعيش في المرحلة اللاهوتية ، لاهوتنا لا يمشي مع التطور . من الصعب ان نقول اننا في مرحلة العلمية الوضعية ، وهي مرحلة هامة شهدتها أوروبا في طريقها للحداثة والتحرر من عقلية القرون الوسطى . في الغرب هناك نقد لعقل الحداثة العلمية ، لكننا بعيدون عن هذه الحداثة العلمية ، مجتمعنا ما زال يحتكم لانتماءات اثنية وقبلية ، بينما المجتمعات الحديثة طورت الدولة المتجانسة، دولة حقوق الإنسان، التعددية الثقافية، حرية التعبير والمجتمع المدني.

الحداثة لم تولد في مجتمعاتنا الا فكريا، تعرفنا على الحداثة بالفكر ، ونقاتل لجعلها قاعدة لحياتنا ، والأدب والنقد الفكري الاجتماعي هو أحد أسلحتنا لترسيخ الحداثة في واقعنا الاجتماعي. السؤال: هل حقا يقوم ادبنا المأزوم بهذه المهمة ؟ أليست أزمته هي التعبير الصارخ عن عجزه من القيام بدوره الحداثي ؟ اليس ازدياد انتشار الفكر الأصولي هي الدلالة على تعثرنا الثقافي والاجتماعي وتراجع الفكر المتنور والحداثي لحساب القديم البائد ؟

بيننا وبين الوصول للحداثة مرحلة تاريخية واسعة، لا أعني الوصول الى القناعة الفكرية، فأعداد كثيرة من المثقفين والأكاديميين يعيشون الحداثة بنبضها العالمي ولكنهم عاجزون عن جعلها نهجا اجتماعيا ثقافيا، يخلص مجتمعنا من لاهوتيته الغيبية، ويدفعه نحو العلم والعقلانية والتقدم. أصلا لا حداثة بدون بناء اقتصاد وعلوم والانتقال لنظام ديمقراطي، يحمي حق الاختلاف والتعددية الفكرية والدينية ويطبق القانون الوضعي وليس الديني.

بدل ذلك نجد من يجرؤ على تسمية الغيبيات بالحداثة، وادعاء البعض انهم الحداثة بعينها. الحداثة تعني أولا التخلص من الماضي الخرافي، من عقلية القرون الوسطى الغيبية، وان يسود العقل العلمي الذي يخرج مجتمعاتنا من مرحلة الانحطاط والتخلف التي نتخبط فيها، وان نعيد للفكر العربي مجده الغابر في العلوم والاكتشافات والتطور الاقتصادي والثقافي، وان تصبح المنافسة بيننا وبين الغرب ليس صراع أديان او حضارات بين حضارة حديثة وحضارة أصولية، انما المنافسة على الإنجازات العلمية، الاقتصادية والثقافية.

أية حداثة ستنشأ ومجتمعاتنا غارقة بخطب عمرو خالد وثقافة مصطفي محمود، وفلسفة الدواعش ومن لف لفهم، وفتاوى ارضاع الكبير ونكاح الكفاح وغيرها من الترهات التي تثير الألم والاستهجان لعجز تفكيرنا عن الفرز بين المنطق الديني السليم والترويج لغباء ديني مدمر، بينما الغرب يتعامل مع روسو وديرو وكانت وهيغل وسبينوزا وماركس وورودنسون ونيتشه وادوارد سعيد وغيرهم من حملة الفكر والتقدم الاجتماعي.؟ في آية مرحلة يعيش المجتمع العربي اليوم ؟ هذا هو السؤال الذي على أساسه نستطيع ان نحدد مكاننا من الحداثة قبل ان نسكر بوزنا ونخرس خالص من التحدث عن ما بعد الحداثة .