فيدل كاسترو

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فيدل كاسترو (1926 - 2016) رجل استثنائي ، ومن أكثر شخصيات القرن العشرين شهرة ، الزعيم الساحر لجزيرة الكاريبي الصغيرة التي تبعد تسعين ميلا فقط عن أمريكا، استطاع أن يستمر في السلطة خمسين سنة، حوّل جزيرة صغيرة إلى قطب عالمي لكن على حساب الشعب المغيّب، كان كاسترو كتوما، وصديقا حميما لمانغستو سفاح أثيوبيا الدموي ، وصنوا لماريوس قبرص ، وصديقا لماوتسي تونغ ، ولمعمر القذافي، وبشار الأسد . كاسترو أحد أبطال القرن العشرين ، ابتكر تكتيكا هو تكتيك مقاومة الضعيف ، بدءا من عام 1959. كان هذا الرجل هو العامل الحاسم في سقوط خرشوف ، والباعث على قتل كيندي ، والموشك على إشعال حرب نووية ، وهو بطل تجليل أمريكا بالعار في خليج الخنازير ، جلل مقاتلون صوماليون أمريكا بالعار في الصومال لكنهم مجهولون حتى الآن، كاسترو أدى بأمريكا إلى غزو فيتنام، وهو الباني حائطا أكبر من حائط برلين حول كوبا ، والذي هدد بفضيحة ايران جيت، وحوّل هافانا التي كانت قبلة السائحين إلى بلد فقير . يفرح أمثالنا من العالم الثالث أو حتى من العالم الأول الذين يزورون كوبا فيرون شعبها فقيرا، متسولا إن لم يكن صراحة باليد فبنظرات العين، لقد بقيت كوبا على عصر همفري بوجارت، جمدت وحنّطت مثل حشرة جميلة.

رحل أكثر أصدقائه الثوريين بالانتحار : أوز فالدو دورتيكوس ، أول رئيس لكوبا الثورية ، وأوغستو سانشيز ووزير العمل وألبرتو مورا السفير الكوبي ، الحكم على أورنالدو أكاوا سانشيز قائده في الموناكدو بالإعدام، يده اليمنى في الاقتصاد أوسماني سيانفو يجوس إلى سفارة فنزويلا , لاحقا صار الانتحار موضة ثورية بين شباب كوبا بسبب الإحباط. كان يقوم بزيارات مفاجئة للشعب ، ليس كالسيسي الغشاش الذي يزور رجال مخابرات متنكرين في زي الفلاحين، الذي ليس في حياته سوى شخصيات مثل زينب صاحبة الحلق وفتاة العربة. أما كاسترو الذكر فيلخص تصريح الممثلة الكوبية التي صارت مترجمة له فحولته: ما أن يخلع سرواله حتى يفرغ بسرعة . كان دائما أمام العين لكنه غائب مثل زعمائنا الأفاضل. أما رفاهية الرفيق فحدث ولا حرج فهو ينتجع في "الجزيرة الرملية" المرفهة، التي كان يجري فيها صفقات هي جزء من النزعة الرأسمالية للرفيق الاشتراكي، ومنتجع بارلو فينوتو المعزول على كوبا والمفتوح على البحر.

نشأ كاسترو في جاليشا، وهم قوم يتميزون بالكتمان، ولا يؤمنون بالحلول الوسط وإذا كنا نلعن النفط ونحيل إليه هزائمنا فإن المثقفين الكوبيين يلعنون قصب السكر. هو ابن سفاح لجندي جاء مع الجيش الإسباني الغازي، وصار إقطاعيا، اسمه أنجيل كاسترو، يقال إن أكثر الطغاة هم أبناء زنا، ويروي مارت روربير صاحب كتاب رواية الأصول أن الأبطال يتامى باحثون عن الأب، ويحكى عنه أنه كان يغار من شقيق زوجته دياز ذي الأصول النبيلة، وكان فيديل عكس أخيه راؤول، عنيفا ويحب القمار مثل أبيه، حياته دائما كانت على الحافة، ولا يعرف عدد المرات التي نجا فيها من محاولات القتل والمغامرة الانتحارية.

أرسل وهو في كلية الحقوق تهنئة إلى الرئيس روزفلت ويطلب 10 دولارات عليها توقيعه وقد وصلته رسالة فعلا وعليها توقيع الريس فغضب صاحبنا لأنه كان يريد 10 دولارات . تدرب على الخطابة وخفف من الإسبانية لصالح المحلية البسيطة، قاد مظاهرة طلابية لتخفيض أسعار النقل ، فقابل الرئيس زعماء المظاهرة وأخذهم إلى الشرفة، فعرض كاسترو على زملائه رمي الرئيس من الشرفة، وإعلان الثورة , تأخر عندما اقترح عليه جيفارا الدخول في الشيوعية قال بشرط : أن أكون ستالين كوبا ، وكان يقرأ كثيرا ، ويتمنى لو يكون روائيا بقامة صاحبه ماركيز . كان زميله ليونيل جوميز أول ضحاياه قتلا، قتله بالرصاص على منافسات طلابية .

اللافت أن كل علاقاته النسائية كانت مع بنات من الطبقة العليا اللاتي يتحدثن الإنكليزية، لكن كثيرات من غانيات الطبقة المخملية شكين ميله إلى الخطابة أكثر من الجنس، كان يكذب كما يتنفس، الكذب سماد الطغيان . كان يحب الديمقراطية فقط للوصول إلى السلطة، أحب ناتالي على زوجته مارتا، أما عشيقاته فكثيرات، أحب الناس تصرفاته الصبيانية، وطريقة البوح في الخطب. ثمة مفارقة مضحكة وهي أنه عمل محاميا مرة لنفسه وهي واقعة لا تحدث إلا في المسرحيات، دافع عن نفسه في المحكمة بعد أن رضيت المحكمة أن يلعب الدورين: المتهم والمحامي، واقعة لا تقع إلا في فلم كوميدي، كان يحامي عن نفسه ثم يجلس في القفص .

قدرته على الإقناع كبيرة، يقال إن تشي غيفارا كان مستعدا للموت من أجل الماركسية، أما فيدل فكان مستعدا للعيش من أجلها. كان يعيد في خطاب الثورة أنه تولاها وهو في سنِّ المسيح عندما قام , يومها أطلقت ست حمامات، فحطت إحداها على كتفه، فانسحرت به الجماهير، لقد رأوا معجزة رأي العين ! كثير من الناس سجد . قال أعداؤه الكارهين إن كاسترو كان يضع حبوب قمح على رأسه وقال بعض العلماء إنه حمام مروّض ومدرب ، لكن كثيرا من حمام الحظ وغربان الخداع هبط عليه، وهو موهوب وشجاع، ومتهور، لقد كان ممثلا بارعا، طلب في تلك الخطبة أن تفتح له الجماهير الطريق ليقدم الاحترام للرئيس الصوري فبدا وكأنه خارج من أسطورة يونانية، وصفه مسؤول أمريكي بأنه رجل يعرف كيف يضغط الأزرار . يحب الاستعراض , في 1989 كان يحتفل بالذكرى الثلاثين للثورة، في تلك المناسبة، وقد بلغ الثانية والستين، وأشيع أنه مصاب بالسرطان وسيتوقف عن تدخين سيكار "روميو وجوليت"، خطب خطبه طويلة تشبه التأبيدة، هتف: الماركسية اللينينية أو الموت.

كانت لكاسترو أحلام طوباوية، كان يحلم بكوبا من غير مال، شيوعية، ويروي الرواة كيف غضب يوما على قطع شجرة فأخبروه أنهم قطعوها من أجل تركيب برج الهاتف ، فأطلق النار على خطوط الهاتف مثل دون كيشوت مجنون، كان يحلم بكوبا قدِّ الدنيا، واعترف أنه فاشل، وأراد إنجازا يسجل باسمه، كان يحلم بأن يصير الطلاب أساتذة فورا، البقرة هي التي خلبت لبه فصارت مشروعه القومي . صديقه المقرب، الروائي ماركيز، استلهم مشهد البقرة في السدة الرئاسية من حياة كاسترو، ربما خريف البطريرك أيضا .

بعد وقوع كاسترو في حب البقرة المقدسة تحولت كوبا إلى مخبر جينات، كان يريد أن يخلق بقرة مثل ناقة صالح فهجن بقرتي الكيبو والهولستين. وصار مهووسا بالثيران، وهذا طبيعي فهي فحول البقر، إلى درجة أن إسطبلاتها كانت مكيفة الهواء! وكان يجرى لها جنازات إذا ماتت وحين وصل أندريه فوازون إلى مطار هافانا كان كاستروا بانتظاره . رئيس دولة وقائد ثورة يستقبل مهندس جينات متواضع في المطار، في الثانية صباحا. وبدأ كاستروا، حملة مقدسة لترسيخ مذهب العشب، وأصبح فوازون بطلا لكل أبقار كوبا المقدسة.

حضر المهندس الزراعي الفرنسي رينيه ديون إلى كوبا عدة مرات، راثيا في نفسه، سوء الاقتصاد الكوبي وتآكل التربة، وكان من حسن فوازون أنه مات فعمل كاسترو جنازة رسمية له، وأبدى دكتاتور الأبقار إعجابه بعقار الإنترفيرون، فاستدعى كارل كنتل من فنلندا، فذهب العالم الشاب ليقيم في قصر فاخر، يسمون عادة هذه القصور بقصور الشعب ويقيم بها مسؤولون لا يُسألون، وهم يسألون! استغرب العالم الشاب أنّ المصور يصاحبهم دائما حتى على الغداء! وكانت البقرة مريضة، بها ورم خبيث، لم يفلح معه العقار الجديد، ونالت بقرته لقب الضرع الأبيض لكنها نفقت، أصيبت من كثرة المعالجة بالسرطان، فحنّطها، حتى تصير ملهمة للأجيال!

حتى موسم حصاد قصب السكر الذي شارك فيه مسؤولون كبار وضيوف مثل أندريه كروميكو الذي كان زائرا، لم ينتج من محصوله الموعود سوى تسعة مليون طن، وسيضطر الرفيق إلى استيراد سكر أرخص وبجودة أقل . وفي مناسبة هجوم المونكادا في 26 يوليو 1970 وقف وخطب قال إنه نادم وما عنديش، اعترف بأخطائه وعرض الاستقالة وربما تأسى بجمال عبد الناصر وهو يعرف النتيجة، فهتفت الجماهير التي صار أباً لها وقد خافت من اليتم: لا لالا. تقول النساء اللاتي كان يطلبهن إلى قصره على ساحل فيراديرو إنه لم يكن يخلع حذاءه أبدا!