فيروس كورونا

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فيروس كورونا (بالإنجليزية:Coronavirus) فيروس غير عنصري وشامل وارتوازي ، وقد واسى المواطن العربي ، وعطف عليه، فلم يعد موظفو المطارات يخافون من العربي وحده، فهم يتوجسون من الصيني، أو ممن يسمّون بأصحاب الملامح الآسيوية من غير حزام ناسف. عطسته هي الناسفة. المطارات نفسها أُغلقت، وجثمت الطائرات في أعشاشها، مثل طيور معدنية على بيض الرحلات. لقد رُفّع هذا الفيروس ملكاً متوجاً ، رُفّع ترفيعاً أسرع من السيسي الذي صار مشيراً في غمزة عين عاشقة، لقد أمسى الفيروس قائد القارات السبع ، إسكندرها الصيني ، إمام العالم ، الفظيع الركن، المشير المشيب، القائد الضرورة، راعي الكمامات والكمامين، ملك ملوك آسيا وأوربا وأفريقيا. وفرض الإقامة الجبرية على قارة أوربا المدللة، وبعض قارة آسيا، وهو يزداد قوة وشباباً، ليس الوحيد لكنه الأفضل.

جعلنا الكورونا بلا دين تقريباً وبلا دنيا أيضاً، فلا دين الحداثة، ولا دين الأصالة. ودين الحداثة كرة القدم، ودين القدامة الدينُ القيّم. لا جمعة للمسلمين ولا موعظة لأصحاب الأحد، الديمقراطية مؤجلة، وعندنا هي محرَّمة منذ عرفناها. الكورونا سيكون الصوت الوحيد في الانتخابات العربية القادمة، أو على الأقل الصوت . الوباء وحَّد العالم في الخوف، وفرَّقهم في الحب. وقعت أكبر هجرة جماعية على كوكب الأرض، فثمة نزوح عالمي إلى محاجر التواصل الاجتماعي .

لن ينسحب الفيروس الصغير قبل أن يُعلّم كوكبنا الكبير سلوك التواضع. هذه هي معركة كورونا معنا، لمن لم يدرك غاية الحرب التي وضعها الخصم بعد. سبقَنا المتنبي بقرون، حين حذّرنا من الاستهانة بالكائنات اللامرئية: "إن البعوضة تُدمي مقلة الأسد"، غير أن المستأسدين لم يحفظوا الدرس، على الرغم من أنهم فقدوا أعينهم من دون جسومهم، فراحوا يتخبّطون بـجسوم البغال وأحلام العصافير. ثم جاء التحذير أغزر وضوحًا على لسان جوناثان سويفت في رحلات جيلفر الذي وضعته دراما البحر في مواجهة عالم الأقزام الذين شدّوا وثاقه إلى الأرض التي لم ينظر إليها في حياته قط، فكانت لحظة اللقاء الصادمة التي جعلت العملاق أصغر من قزم.

يحمل كورونا، إلى جانب شيفرته الوراثية، شيفرات فلسفية وسياسية واجتماعية شتّى، يجدر بنا قراءتها بتأمّل عميق، إنْ قرّرنا القضاء عليه قضاء مبرمًا، لا قضاء طبيًّا وحسب؛ بدليل أن الحل الطبي وحده لم يستطع منعه من إعادة تكييف نفسه، وتطويرها على مدى العقود الماضية. أغلب الظن أن الفيروس الجديد ليس عضويًّا فقط، بل ثمّة عوامل أخرى أسهمت في تكوينه، وأهمّها تلك العلاقة التاريخية الملتبسة بين من يلعبون دور العمالقة ومن استكانوا إلى وهم كونهم أقزامًا، فجاء كورونا حاملًا صدمة اللقاء التي أسقطت المارد من خيالات الظلّ العملاقة، فيما سحبت عن عيون الطرف المقابل غشاوة الوهم التي سجنته في زجاجاتٍ ضيقةٍ، لم تكن تحتاج إلا لمسحةٍ طفيفةٍ، ليكتشف السجين أنه هو العملاق الحقيقي.

صحيحٌ أن الفيروس لا يفرّق بين ثريّ وفقير، غير أن الثمن الذي يدفعه الثريّ أشد فداحةً، وإلا فأي حياة طبيعيّة يشتاق الفقير للعودة إليها بعد انتهاء مدة الحجْر الصحي؟.. هل يقصد حياة البطالة والتشرّد، أم يعني حياة الفاقة والعوز ؟ فيما يقيس الغنيّ دقائق الحجْر بعدد الصفقات التي لم يستطع اقتناصها، وبالرصيد الذي توقف عند رقم معين. تلك الشيفرة الاجتماعية للفيروس.

أما الشيفرة السياسية، فهي الأهمّ، والتي تجلّت في ذلك الاضطراب الذي حلّ بدولٍ عظمى، وأسقطها من عليائها، بحثًا عن كمّامة، ودفعت رئيسًا أميركيًّا متبجّحًا إلى إصدار أمر عاجل إلى شركةٍ ضخمةٍ اعتادت تصنيع المحرّكات النفاثة العملاقة بتحويل صناعاتها إلى أجهزة التنفس. كما جرّه الفيروس الضئيل من قرنيْه ليتصل صاغرًا بالرئيس الصيني الذي كان يسخر منه في بداية الأزمة إلى الحدّ الذي ألصق اسم الفيروس ببلده، ليتوسّل منه المساعدة، وليستجديها أيضًا من دول أخرى كانت، في ما مضى، أصغر من الفيروس في عينيه. وعلى غراره، أيضًا، رأينا عمالقة أوروبا يذرفون الدموع، وهم يرون انهيار دولهم، بأنظمتها الصحية المنيعة، أمام أعينهم.

أما عن تحرّكات الفيروس في أوساط عمالقة الشرق الأوسط، فشأنهم مغاير؛ لأن الفيروس ذاته لا يراهم إلا بمجهرٍ مكبّر. هم يعرفون جيدًا أنهم أقزامٌ مأمورون من أسياد ما وراء البحار والأنهار، ولا يمارسون أدوار العملقة والتجبّر إلا على شعوبهم فقط.. أيتام على موائد الغرب، وأسياد على مقدّرات بلادهم. ولئن لم يكن لهم وجود في عالم ما قبل الفيروس، فلن يكون لهم مكان في ترتيبات الفيروس للعالم الجديد. أما الرهان فهو فقط على شعوبهم التي في وسعها أن تحطم زجاجات سجنها، وتنطلق لتصنع حياتها الطبيعية التي ظنّت أنها كانت خلف القضبان، وما الحياة خارجها إلا محض حياة صناعية

أقل ما يوصف به رقم 13 مليون مشاهدة لمقطع فيديو مصري يصف كورونا بالمؤامرة الإعلامية الأميركية بأنه كارثة حقيقية. كارثة لأننا لا نتحدث عن حماقة نظرية، بل عن دعوة عملية مباشرة وجهتها صانعة الفيديو إلى المصريين بعدم ارتداء الكمّامات، بل سخرت ممن يتخذون أي احتياطات، فهي القادمة بنفسها من أمريكا شاهدت هناك كيف يتآمرون لخداعنا بأمثال هذه الزوبعات الإعلامية، بغرض دفعنا إلى مزيد من الاستهلاك، مستشهدة بوالدها الذي لم يجد سلعا يريدها في متجر قريب من منزلها , جاءت أغلب التعليقات مؤيدة، من يتحمّل مسؤولية ما سيحدث، لو استجاب عُشر المشاهدين فقط؟ .. صانعة الفيديو كانت ستحاكم بالقانون في أي دولة ديمقراطية، فلا حرية رأي في التحريض على أذى النفس والغير، لكن الذنب ليس ذنبها وحدها. عبر عهود طويلة، ذاعت في بلداننا نظريات المؤامرة الاتكالية مع كل حدث ضخم. هجمات 11 سبتمبر كانت تمثيلية أميركية. صدام حسين غزا الكويت بخديعة أميركية، ووصولاً إلى أنه لم يُعدم، بل أعدم شبيهه.

كما شهدنا نظريات متعاكسة عديدة متزامنة حسب الموضع السياسي للقائل، فاندلاع الربيع العربي مردّه المؤامرة العالمية عند بعضهم، وفشل الربيع العربي تسببت به المؤامرة العالمية عند آخرين.لا يغير من قناعة جمهور هذه النظريات محاولة التدقيق المعلوماتي، فالورقة التي قالت إن كورونا المستجد هو فيروس مخلّق في المعامل، تم دمج أربعة أحماض أمينية من الإيدز داخله، كانت منشورة في موقع خاص بالمسودات العلمية، لا الأبحاث المُحكمة، وسرعان ما تم تفنيدها علميا على الموقع نفسه، وسحبها ناشروها الهنود واعتذروا عنها. وبالطبع، لم يصل الاعتذار إلى عشر معشار من وصل إليهم التضليل.

كما لا تفيد كثيرا محاولة التحليل المنطقي، فسواء كانت النظرية أن كورونا مؤامرة أميركية لكبح جماح تقدم الصين، أو العكس مؤامرة صينية ضد الغرب، خصوصا بعدما انتصرت الصين في معركتها لوقف المرض، أو النظرية الثالثة المرتبطة بمؤامرة شركات الدواء العالمية ضد الجميع، كل هذه الفرضيات تتجاهل واقع العالم اليوم الذي يتضرّر فيه الجميع بشكل مدمر. الاقتصاد العالمي بالكامل يدخل في مرحلة ركود، ولا تنافس خسائر المصانع الصينية إلا خسائر البورصات الأميركية، ولا منطق لافتراض أفضلية لشركات الدواء على حساب الخسائر المهولة لشركات النفط والطيران والعقار وغيرها.

واقعيا، هذا الفكر الذي يظن ناشروه أنهم يكشفون المؤامرة هو في الواقع أكبر مؤامرة ضد أنفسهم، فنتائجه دائماً هي إما تجاهل الخطر المحدق باعتباره زائفاً، أو بالعكس الاستسلام عدم القدرة على مواجهته باعتباره حتمياً. وللمفارقة، يؤدي الإغراق في فكر المؤامرة الخفية إلى إغفال أهمية مؤامرات أخرى علنية، قوامها معلومات وبيانات منشورة من سياسيين واقتصاديين متأنقين، تفتقد التشويق المتوفر في قصص الأشرار في الغرف المظلمة. لهذا تعشق الحكومات القمعية، على اختلاف أجناسها، المؤامرة، لأنها تعفيها من المسؤولية أمام شعوبها. لا تقصير ولا خيارات سياسية، بل مؤامرة أضخم من الجميع، بشار الأسد لم يدمر سوريا بل المؤامرة، والحكومة الصينية لم تتستر على المرض في البداية، بل هو مؤامرة غربية ضدها، والدول لم تقصّر في الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية العامة، بل المرض أوجده مختبر صيني أو أميركي رهيب.